القائمة

أخبار

شيشاوة: دا حماد.. استاذ وهب نفسه لتعليم أطفال دوار تاسكورت لغة شيكسبير في الهواء الطلق

"داحماد" استاذ للغة الانجليزية، قرر وهب وقت فراغه لأطفال دوار تاسكورت الذي تعود أصوله إليه، اذ يحرص على تعليمهم اللغة الانجليزية، ويحببهم بطريقته الخاصة في الدراسة، ومساعدتهم على التفكير خارج ما هو سائد بالمنطقة.

نشر
DR
مدة القراءة: 5'

بعد أن غادر أرض آبائه أجداده طلبا للعلم، قرر محمد أعلا العودة إلى دواره، وتقاسم قسط من المعرفة التي تلقاها مع أبناء المنطقة، الذين باتوا ينتظرون قدومه بكل شغف خلال عطلة نهاية الأسبوع.

ففي الصباح الباكر من كل يوم سبت، يجتمع أطفال دوار تاسكورت الواقع بقيادة أسيف المال في إقليم شيشاوة، في انتظار، الشاب الأسمر ذو الشعر الطويل، الذي أطلق عليه سكان القرية، اسم "داحماد" ومعناه "سيدي محمد". وقال محمد وهو أستاذ للغة الإنجليزية بإحدى المدارس بمدينة مراكش، خلال حديثه مع موقع يابلادي "كنت أذهب إلى هناك خلال أوقات العطل المدرسية، ودائما ما كنت أحلم بقضاء وقت أطول بالدوار، إلى أن ظهر فيروس كورونا، ليتحقق حلمي، حيث قضينا أنا وعائلتي هناك فترة الحجر الصحي، التي استغرقت 8 أشهر".

وبعد قضاء الشاب البالغ من العمر 24 عاما، هذه الفترة في الدوار، زاد ارتباطه بالمكان وسكانه أكثر فأكثر، ما جعله يقرر الذهاب إليه كل نهاية أسبوع، "اكتشف أطفال المنطقة بالصدفة أنني أدرس اللغة الإنجليزية، وكنت دائما ما أسمع نفس السؤال، هل صحيح أنت أستاذ للغة الإنجليزية؟ وعندما تأكدوا من ذلك بدأوا يطلبون مني تعليمهم إياها"، وهو الطلب الذي لم يتردد في قبوله وقرر تعليمهم لغة شكسبير لكن بطريقته الخاصة. "لم أرغب في تعليمهم اللغة بالطريقة الكلاسيكية، وبما أنني شخص يعشق الطبيعة والجبال، اخترت الهواء الطلق فضاء لنا، بعيدا عن رتابة القسم"

وفكر "داحماد"، كما يحب أن ينادى، في أن يضرب عصفورين بحجر واحد، ويجعل من حصصه متنفسا لهؤلاء الأطفال وليس فقط حصصا للتدريس، ويحكي الأستاذ بنبرة افتخار قائلا "في المدينة، هناك فضاءات كثيرة مخصصة للأطفال، من أجل القيام بمجموعة من الأنشطة، عكس البادية، لذا قررت أن يكون تعليمي لهم، بمثابة نشاط ترفيهي".

ويقوم الأستاذ الشغوف الذي يلبس الجلباب والشبشب، بمجرد وصوله إلى الدوار، متشبها بأبناء منطقته، بمجموعة من الأنشطة، والتي يتحدث خلالها باللغة الإنجليزية وقال "أحرص على أن يكتسب الأطفال هذه اللغة الأجنبية، وليس تعلمها، من خلال القيام بأنشطة، تحتاج بعض الحركات، مثلا عندما أقف وأقول لشخص ما come here، ويرون الحركة التي أقوم بها بيدي، يفهمون من تلقاء أنفسهم، أنني أقصد بها تعال إلى هنا".

ولتغيير الأجواء وفي إطار حرصه على تعليمهم اللغة بشكل أفضل، يستعين "داحماد" بمنزل العائلة أيضا، من أجل عرض أفلام ناطقة بالإنجليزية "أقوم بجلب آلة عرض، وأعرض فيديوهات أو أفلام، من أجل أن يستمع الأطفال للغة على لسان أصحابها، لكي يتعلموا نطق الكلمات بالطريقة الصحيحة" وأكد الأستاذ الشاب، أنه يحرص على أن يعرض فيلما مناسبا لأعمارهم، دون أن ينسى تحضير الفشار لهم، وقال ضاحكا "لكي يعيشوا أجواء السنيما بشكل أفضل".

"عندما يستمعون إلى كلمات سبق وتعلموها مني، يلتفتون إلى ويهتفون، لقد سبق وعلمتنا هذه الكلمة، إن الممثل قال كذا وكذا...هنا أشعر بالفخر. لا يوجد عدد محدد للأطفال، كل حصة أتفاجأ بحضور أشخاص جدد، حتى عند غيابي في بعض الحصص، أتفاجئ أن الأطفال الذين لم يحضروا الحصة على علم بالأشياء التي تعلمها زملاؤهم، بحكم أنهم يساعدون بعضهم البعض، وهذا أمر يفرحني كثيرا".

داحمد

لم ينجح "داحماد" في تعليم الأطفال الإنجليزية فقط، بل جعلهم يثقون في أنفسهم وقدراتهم أيضا، "في البداية، عندما كنت أسألهم عن الوظيفة التي يريدون أن يشتغلونها في المستقبل، كانت أفكارهم محدودة ومتشابهة، كانوا يجيبونني: بفقيه أو شرطي، فيما كانت الفتيات ترين أنه من المستحيل أن تصرن موظفات في المستقبل وأنهن في نهاية المطاف سيتزوجن" لكن مع مرور الوقت أصبح "داحمد يطرح على تلامذته نفس السؤال "والإجابات أصبحت مختلفة تماما".

"كنت أحاول تغيير أفكارهم من خلال شحنهم بطاقة إيجابية وأخبرهم أن الدوار بحاجة لأبنائه، لحل مجموعة من المشاكل التي يعيشونها، سواء ما تتعلق بالماء أو الكهرباء، أو التطبيب والتمريض وغيرها".

داحماد

وبات "داحماد" يحظى بثقة أباء الأطفال في الدوار، حتى أن مظهره الخارجي وشعره الطويل لم يعد يشكل أي عائق أمامهم، ويحكي قائلا "في البداية كان شكلي يزعج نوعا ما أبناء الدوار، كانوا ينظرون إلى على أنني أجنبي، لكن عند رؤيتهم ما أقدم لأبنائهم، أصبح مظهري شيء عادي ومحبوب بالنسبة لهم".

ويعتبر "داحماد" نفسه، محظوظ أيضا، لأنه بالإضافة إلى قضائه أوقاتا ممتعة وإحساسه بالرضى أثناء تقاسمه المعرفة مع هؤلاء الأطفال فهو بدوره تمكن من تعلم الأمازيغية بفضلهم، فعلى الرغم من أن أصوله أمازيغية، إلا أنه لم يتمكن من إتقانها إلا بعد احتكاكه مع هؤلاء الصغار.

"الأمازيغية كانت بمثابة عقدة لي خلال إحدى الفترات من حياتي، عندما كنت أعيش في مدينة سطات التي ولدت وترعرعت بها، كنت أتعرض لنوع من العنصرية وأسمع كلمات جارحة من البعض فقط لكوني أمازيغي، لذا كنت دائما أفضل عدم الحديث عن هويتي، وأطلب من والداي عدم التحدث معي بالأمازيغية".

داحماد

وتحول "داحماد" من شخص يتجنب الحديث عن أصله الأمازيغي إلى شخص يروج لثقافته الأمازيغية، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، سواء من خلال اللباس أو بعض التقاليد والعادات.

ويطمح الأستاذ الشاب لأن "يصبح تعليمي لهم للغة الإنجليزية، ذلك الحبل الذي يربطهم بالدراسة، وأن ولا يغادروا مقاعد الدراسة" وإن غادروها "على الأقل سيجدون أنفسهم يتقنون اللغة الإنجليزية التي قد تفتح أمامهم الأبواب".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال