القائمة

الرأي

’اللي فيه الدم خصو يحشم‘

تحولت جلسات مناقشة الوزير الأول أمام المستشارين في مجلسهم إلى مشاهد شهرية سريالية، وكأن هناك إصرارا غريبا على تحويل النقاش من مجراه "الطبيعي" إلى مجرى "اصطناعي" لا مصب له. فرئيس الوزراء السيد عبد الإله بنكيران أصبح لا يمل من إلصاق كل أوزار الماضي بالحزب الذي تشهد شهادة ميلاده السياسي على أنه حديث الولادة. أقول هذا الكلام تجاوزا. كما أن هذا الحزب ’الحديث‘ – بحسب شهادة ميلاده دائما- لا يخفي عداءه بل كراهيته للإسلاميين في حكومة بنكيران، ولا يكل ولا يمل من تسفيه كل ما تقوم به الحكومة الحالية وكأن مآسي المغرب بدأت مع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم قبل حوالي سنة، وأن ما قبل الإسلاميين كان نعيما يتنافس على بابه الحساد. 

نشر
DR
مدة القراءة: 4'

الديمقراطية طريقة عادية جدا لتداول السلطة. طبعا ’عادية‘ في البلدان العادية أما المغرب فيظهر أن الأمور فيه تمشي وفق منطق غير سوي. فحزب الأصالة والمعاصرة لم يستوعب بعد فشله في الفوز بالمرتبة الأولى ليتسنى له بالتالي قيادة الحكومة وفق ما تقتضيه بنود الدستور. وعبد الإله بنكيران فشل بدوره حتى الآن في أن يكون رئيسا لحكومة تمثل المغاربة وليس رئيسا لحزب يقود الحكومة. فلغة بنكيران خلال الجلسة الأخيرة لمجلس المستشارين تظهره شخصا عصبيا عاجزا أمام حزب يعطي له حجما أكبر من حجمه الحقيقي.

فكيف تحولت مناقشة "الأمن الغذائي" إلى ’اللي فيه الفز كيقفز"؟ لا أرى رابطا بينهما سوى محاولة الطرفين للهروب إلى الأمام بإثارة زوبعة بلا غيث؛ زوبعة رملية تعمي العيون المتطلعة حقا لرؤية قرارات جريئة تحسن وضعية المغاربة أولا، وتضع ثانيا حدا لأولئك الذين يتهمهم بنكيران نفسه بعرقلة كل شيء في البلاد. أليست الأغلبية بين يديه؟ ألا يكرر هو في كل مناسبة أنه وحزبه مدعومان من الشعب؟ فما الذي يمنعه إذن من ترجمة تطلعات من انتخبوه إلى أفعال؟ وإذا كان على حق في ادعائه بأنه يواجه ’لوبيا‘ من الأشباح لا يقاوم؛ ’لوبيا‘ من ’العفاريت‘ و ’التماسيح‘ فلماذا لا يقوم بخطوة جريئة واحدة، فيعلن استقالته أمام الملأ ويدخل بذلك التاريخ من أبوابه الواسعة؟

الكل يعلم أن السيد بنكيران لن يجرؤ على سحب وزراء حزبه من الحكومة، وإن فعل فلن يستجيب له حتى وزراؤه فبالأحرى وزراء الأحزاب الأخرى. الكل يعلم أيضا أن الوزراء في المغرب لا يستقيلون وإنما يُبعدون في تعديلات تُعد بعيدا عن الوزارة الأولى. لا عيب في ذلك ما دامت الديمقراطية في المغرب ’غير عادية‘. وإذا كان السيد بنكيران يدرك أكثر من غيره أنه لا يُسمح له بالاستقالة حتى لا يعلو شأنه وشأن حزبه أكثر، فلماذا لا يمارس دعمه الحالي الذي وفره له حراك 20 فبراير، عن غير قصد، ليعمل أكثر ويتكلم أقل؟

حينما يوجه السيد بنكيران كلامه للمستشار الراضي قائلا ما مفاده: أنا أدافع عنك ضد هؤلاء! فهذا كلام خطير للغاية. فمكن يكون "هؤلاء"؟ أليسوا ممثلين لمن انتخبوهم؟ وإذا كان السيد بنكيران واثقا من أن "هؤلاء" حصلوا على مقاعدهم بغير استحقاق، فلماذا يخاطب الغشاشين أصلا؟ كان عليه أن يُعرض عنهم وينصرف لخدمة الصالح العام.

حزب الأصالة والمعاصرة من جهته أصبحت رياضته المفضلة هي التهجم على حزب العدالة والتنمية ورموزه السياسية في الحكومة أو في البرلمان. والحزب يعلم جيدا أنها رياضة عقيمة لا تنتج معارضة بناءة، معارضة تمارس دور الرقابة عن أفعال الحكومة وليس عن لحى وزراء العدالة والتنمية. حتى الآن عجز حزب الأصالة والمعاصرة عن بلورة معارضة ذات برنامج سياسي مغاير وبديل. كل ما يكرره رموز الأصالة والمعاصرة عبارة عن مصطلحات فضفاضة لا وجه لها ولا ملامح. الانتخابات الجزئية الأخيرة في طنجة على سبيل المثال خير دليل على أن ’لغة‘ الأصالة والمعاصرة عسيرة الهضم على الناخب المغربي.

قد يقول قائل منهم: حزب العدالة والتنمية أكثر تنظيما. فما الذي يمنع حزب الأصالة والمعاصرة من التنظيم؟ وقال قائل منهم: حزب العدالة والتنمية استخدم المساجد للدعاية الحزبية وأنهم جندوا الأئمة والخطباء وما إلى ذلك، فأين أجهزة الداخلية؟ وأين وزارة الأوقاف؟

طرفان متعاديان لا يلتقيان، لكن قدرهما أن يتواجدا ’السيرك السياسي‘ تحت قبة واحدة. فلا الأول قادر على إلجام الثاني ولا الثاني قادر على إقصاء الأول، ويبقى الحل الأقرب إلى العقل هو القبول بقواعد اللعبة الديمقراطية وقليل من الدم في الوجه. واللي فيه الدم خصو يحشم!!

منبر

محمد أمزيان
محمد أمزيان