القائمة

أخبار

حينما شيد برج في قلب مانهاتن مستوحى من الكتبية

عند افتتاحه في عام 1890، أصبح مبنى "ماديسون سكوير جاردن"، الذي صممه المعماري ستانفورد وايت، أحد أبرز المعالم في نيويورك. تم تمييز المبنى ببرج مستوحى من "خيرالدا"، الذي يُعتبر بدوره توأمًا لصومعة مسجد الكتبية في مراكش، والتي شيدها الموحدون.

نشر
DR
مدة القراءة: 3'

تعد مئذنة الكتبية مثالا معماريا فريدا، فهي ليست مجرد توأمة معمارية بل ثلاثية متكاملة. تم بناء المسجد في عام 1147 على يد الخليفة الموحدي عبد المؤمن بن علي الكومي، بعد أن استعاد مدينة مراكش من قبضة المرابطين. هذه المئذنة أصبحت نموذجا يُحتذى به، حيث ألهمت بناء مئذنة مسجد الخيرالدا في إشبيلية بالأندلس خلال فترة حكم الدولة الموحدية.

أما البرج الثالث في هذه الثلاثية المعمارية، فلا ينتمي إلى مسجد أو كنيسة محولة، بل هو جزء من "ماديسون سكوير جاردن" الشهير في مانهاتن، الذي يعد من أبرز وجهات الترفيه والرياضة في العالم. يقع هذا المعلم في قلب مانهاتن وكان تحفة معمارية من تصميم ستانفورد وايت، الذي ابتكره ليكون بديلا عن النسخة الأولى من "ماديسون سكوير جاردن". افتُتح عام 1891، واحتضن العديد من الفعاليات الهامة.

تميز المبنى بأسلوب "الفنون الجميلة"، مع لمسة مغربية واضحة في برجه، الذي استلهمه وايت من "خيرالدا"، برج الجرس في كاتدرائية إشبيلية، الذي كان في الأصل مئذنة مسجد. وبالطبع، استُلهم برج "خيرالدا" نفسه من صومعة الكتبية في مراكش. الكتبية أيضا ألهمت تصميم "صومعة حسان" في الرباط، التي بدأ السلطان يعقوب المنصور في بنائها، لكنها لم تكتمل.

امتد "ماديسون سكوير جاردن" على مساحة 200 × 485 قدمًا (61 × 148 مترًا)، وكانت قاعته الرئيسية أكبر قاعة في العالم حينذاك، بمساحة 200 × 350 قدمًا (61 × 110 مترا)، مع مدرجات تتسع لـ 8000 شخص، ومساحة أرضية تتسع لآلاف آخرين. أما البرج المستوحى من الكتبية، فقد توِّج بتمثال "ديانا" الشهير، من نحت الفنان أوغسطس سانت-غودنز.

تم وصف المبنى بأنه "أحد أروع الصروح المعمارية في عصره"، وفقًا لدليل نيويورك الرسمي، الذي أشار أيضا إلى أن "برجه الجميل، المستوحى من خيرالدا في إشبيلية، كان يعلوه تمثال ديانا لأوغسطس سانت-غودنز". رغم التحديات التي واجهها المشروع، فقد أبدت الصحافة دعما له، حيث شبهت الصحيفة البرج المقترح ببرج إيفل في باريس، مؤكدة أن نيويورك تستحق معلما مميزا خاصا بها. وكتبت الصحيفة "التخلي عن البرج كوسيلة لمشاهدة المدينة من علٍ، وكعنصر يضفي العظمة على المبنى الرئيسي، يُعدّ خسارة كبيرة".

ورغم هذا الانبهار، ظل المستثمرون مترددون، ما جعل تأمين التمويل يستغرق عدة أشهر. ولكن "ماديسون سكوير جاردن" أنجز رغم ذلك، وتضمن برجا بارتفاع 304 أقدام (حوالي 93 مترًا) مع منصة للمراقبة. افتُتح رسميًا في 16 يونيو 1890 بحفل ضخم حضره 12 ألف شخص.

لكن المفارقة أن وايت، الذي دافع بشدة عن بناء البرج المستوحى من الكتبية، لقي حتفه في نفس المبنى. ففي عام 1906، قُتل على سطح "ماديسون سكوير جاردن" برصاص هاري ك. ثو، نجل أحد أثرياء الفحم والسكك الحديدية، ليصبح الحادث واحدة من أكبر الفضائح في تلك الحقبة.

تم إغلاق "ماديسون سكوير جاردن" في عام 1925 ليعاد بناؤه في موقع جديد. وفي مارس 1963، خلال زيارة رسمية، زار الملك الحسن الثاني النسخة الثالثة من الصالة الواقعة في شارع 50 بنيويورك، لحضور عرض لسيرك "بارنوم آند بيلي". هذه النسخة افتُتحت عام 1925، لكنها لم تكن من تصميم ستانفورد وايت، حيث تم هدم المبنى القديم لإفساح المجال لتشييد مقر "نيويورك لايف إنشورانس".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال