أولا: أحدث دراسة في علم السيـاسة و الإدارة لدراسة عملية إنتــاج القــرار السياسي فــي النظم السياسية الى مقاربة جديدة تتعلق بالسياسة الخارجية مفادها أن قيمة الدولة في العلاقات الدولية تتحدد بشكل رئيسي من موقعها الجيواستراتيجي، ومن عمقها التاريخي هذا المفهوم العلمي له دلالات كثيرة في المرحلة التي نؤسس لها بالمغرب اليوم والتي تضع القرار السياسي سواء الداخلي أو الخارجي محكوم بالإرادة العامة فــي تحركاتها العمومية و قراراتها السياسية، سواء الداخلية والخارجية. ثم أن الحراك الداخلي بتميزه له أثر على الانبعاث الخارجي ، فتفرد التجربة المغربية في تفاعلها مع الربيع الديمقراطي له قوة العمق الحضاري للدولة المغربية، ففي الوقت الذي يضع فيه المغاربة أولى لبنات إستنبات مشروع الإنتقال الديمقراطي بإرادة قوية صانعا تورثه الهادئة ومتعطشا لرؤية بلاده تتحرك باتجاه الديمقراطية والعدالة والكرامة ومحاربة الفساد، دون المرور من عداد الأموات وهدير المظاهرات والمغامرة في البحث عن نظام جديد.. سؤالنا ونحن نضنع هذا المساربتطورات إيجابية ملموسة، ذات أبعاد مهمة على الصعيدين الداخلي والخارجي. وتتضح هذه التغيرات والتطورات في ملامح الصور العامة للمجتمع والدولة هو: هل يكون لهذا أثر في تجديد ملامح التوجه الإستراتيجي للسياسة الخارجية للبلاد، تكون فيها الثقة بالذات الحضارية مصدر قوة إضافية للدولة في علاقاتها الخارجية، ثم أن هذه القوة حين يتملكها المغرب سيكسب بها موقعه الحقيقي ويستطيع الاضطلاع بلعب أدوار فعالة في المحافل الإقليمية والدولية.
ثانيا: لقد جاءت الوثيقة الدستورية الجديدة و كلهـا روح و أمل فـي بنـاء سياسة خارجية طمـوحة ومتكيفة مع المتغيــرات الإقليمية والعـالمية الجديدة. ويتجلــى ذلك واضحا في تصدير الدستور من خــلال التنصيص على السعي الطموح للمغرب نحو تنويع الشركاء في علاقاته الدولية والإقليمية وبالمناسبة في هذا الصدد فالدستور جاء مفصلا وهذا له رمزيته السياسية، في هذا الإطار أكد على التزام المملكة المغربية على ما يلي:
- العمل على بناء الإتحاد المغاربي كخيار استراتيجي.
- تعميـق أواصـر الإنتمــاء إلـــى الأمة العربية و الإسلامية و توطيــد وشـائج الأخوة و التضامن مع شعوبها الشقيقة.
- تقوية علاقات التعــاون و التضامن مع الشعـوب و البلدان الإفريقية، ولاسيمـا بلدان الساحل و الصحراء.
- تعزيز روابط التعاون و التقارب و الشراكة مع بلدان الجوار الأورو- متوسطي.
- توسيع و تنويع علاقات الصداقة والمبادلات الإنسانية والإقتصادية والعلمية والتقنية و الثقافية مع كل بلدان العالم.
- تقوية التعاون جنوب جنوب " . هذا بالإضافة إلى التأكيد على الإلتزام بالإتفاقيات الدولية المنسجمة مع التشريعات الوطنية الشئ الذي سيوفرالشـــروط أكثرمن أجـل الإندمــاج الإيجـابي والفعــال للمغرب فــي منظـومة العوالم المتقدمة.
يجب الإشارة كذلك الى التطور والمكتسب الذي حققته المراجعة الدستورية فقد بقيت الصلاحيات متمكزة لرئيس الدولة، الملك، كما هو الشأن بالنسبة لأغلب الملكيات البرلمانية فيما يخص السياسة الخارجية المغربية، ولاسيما ما يتعلق بتحديد خياراتهـا الأساسية والإستراتيجية إلا أنها لم تبقى مغلقة كما كانت بدستور 1992 الذي يجعل من عملية اتخاذ القرار عملية متمركزة و شبه مغلقة على الملك - دستوريا- هو الذي يوقع المعـاهدات و يصادق عليهـا، ويعتمد السفـراء لــدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، ولديه- أيضا- يعتمد السفراء وممثلوالمنظمات الدولية، ففي تطور منسجم مع التحولات المواكبة للإصلاح ببلادنا وفي إنسجام مع التعاقد الإجتماعي الذي له ضرورة ألأثر على هندسة القرار الدبلوماسي وتوجيه فعل و سلوك السياسة الخارجية المغربية في الأجندة سواء كانت فيما يخص الأجندة الكبرى التـــي تسعى الدبلوماسية الوطنية إلـــى تفعيلهـا و تحقيقها في علاقاتهـا الدولية والإقليمية، أو على مستوى الإتفاقيات، الجديد الــذي أتت به الوثيقة الدستــورية وله أهمية خاصة على مستوى المؤسسات والهيئات الساهرة والمساهمة في إتخاذ القرار الخارجي، على غرار الفصل 31 من دستور 1996، ينص الفصل 55 من الدستور الجديد علـى أن الملك هـو الـذي يعتمد السفـراء لدى الدول الأجنبية والمنظمات الدولية، و لديه يعتمد السفراء وممثلوهذه الأخيرة. والملك هوالذي يوقع على المعاهدات ويصادق عليها، لكن إذا كان الدستـورالسابق قد قيد توقيع الملك فقط على المعاهدات التي تترتب عنها تكاليف تلزم مالية الدولة ، فإن الدستـور الحالـي وسع نطاق هذه القيود ليشمل كذلك معاهدات السلم أو الإتحاد، أو التي تهم رسم الحدود، و معــاهدات التجارة، أو تلك التـي يستلزم تطبيقها اتخاذ تدابير تشريعية، أو تلك التــي تمس بحقوق و حريات المواطنيـن، العامة و الخاصة...حيث لا يمكن للملك توقيعها إلا بعد الموافقة عليها بقانون، ثم أن دور البرلمان تعزز بحيث أنه بالإضافة إلى ممارسته للسلطة التشريعية و تصـويته علــى القوانيـن ومراقبته للعمل الحكومــي وتقييمـه للسيـاســات العمــومية (الفصل70 )، يعقد جلسات خاصة في حالات عدة، من بينها الإستماع إلى رؤساء الدول و الحكومـات الأجنبية. ةالنص الدستوري كان واضحا كذلك عندما منح للمعارضة المساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية للدفاع عن القضايا العادلة للوطن و مصالحه الحيوية (الفصل 10)، وتعتبر مصادقة مجلس الحكومة على مشروع المرسوم رقم 428 -11-2 المتعلق باختصاصات وتنظيم وزارة الشؤون الخارجية و التعاون يشكل خطوة أساسية ولها دلالة ورمزية خاصة في قطاع كان سياديا بشكل مطلق وخطوة مهمة فــي مسيــرة إعادة بنـاء و تحديـث المنظــومة الدبلوماسية المغربية، على أن الأوراش الإصلاحية الكبرى من قبيل مراجعة وإصلاح القطاع الدبلوماســي، يجب أن تبقــى دائما مفتوحة حتــى يستطيع المغرب أن يكون فــي مستوى مسايرة ما تقتضيه التحولات الجارية على الساحة العالمية. وهذا يفرض تأهيلا وتحديا قويا على المؤسسة التشريعية ويقتضي أن تكون لنا مكونات سياسية قوية تشكل كتل تاريخية تحمي هذه المكتسبات وتسعى بآلياتها الى تفعيلها وتنزيلها وهذا يستلزم أيضا أن تلبس المعارضة المقاسات المريحة التي حددها لها الفصل العاشر لا أن تبقى في حالة شرود سياسي ينعكس سلبا على الأداء والرقابة التشريعية.
ثالثا: تعزيزا للشراكة المغربية الأوروبية كأمر واقع له إيجاباته وفق منطق التوازن إلا أنه حماية لمصالح المغرب وشعبه لابد أن تحكم المقاربة في هذه الشراكة بمحددين هما استمرارية بتوازن واستحضار قوة الحق الأصيل في التوجه الاستراتيجي والإنفتاح القوي الذي رسمه معالمه الدستور والتزم به البرنامج الحكومي نحوقوى جديدة تبرزكالصين والهند والبرازيل والمكسيك وتركيا وأندونيسيا وتفعيل اتفاق التعاون الإستراتيجي مع دول منطقة الخليج وضرورة الانفتاح الاستراتيجي نحوهذه الأقطاب الإقتصادية وفتح علاقات متميزة معها تجعل من المغرب مستثمرا لموقعه الإستراتيجي ومتنافس حوله من لدن كل القوى التقليدية والصاعدة والأهم من هذا أن يخرج المغرب من بلد "طرف" أو "هامش"، يقتصر دوره في كونه عضوا في محاور وسياسات خارجية وتابعا لإتفاقات ، إلى بلد "مركز/ centre" يناغم بين مختلف علاقاته الخارجية المتعددة، وفي الوقت نفسه إلى بلد ذي دور فاعل ومبادر في كل القضايا الإقليمية والدولية، وأنه لا يجوز المغامرة بمواجهة قوة الأمر الواقع دون استعداد كاف، كما لا يجوز التفريط في قوة الحق الثابت الأصيل، في ضوء موازين القوى التي تتحرك باستمرار ولا تعرف السكون أو الجمود ولعل النموذج التركي في فهمه الإستراتيجي الناضج و ذكائه وجرأته بالرغم من أوجه الإختلافات المتعددة بيننا أحدثت نقلة نوعية في علاقاتها مع جيرانها في المنطقة العربية، وفي منطقة القوقاز، وانطلقت بثقة عالية نحو العالم الإسلامي والإفريقي، وأصبحت لاعباً مؤثراً في الشرق والغرب. وهكذا، أصبحت تركيا حاضرة في كل الأزمات والملفات العالقة في العالم العربي، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية. اليوم حلمنا نحن أيضا والواجب الحضاري و الوطني والإلتزام الدستوري يفرض ذلك وإعتبارا للمتغيرات الإقليمية أن نصبح محورا مركزيا في المنطقة ونحن قادرين مع الدينامية التي لوحظت مؤخرا ومن المفرزض أن يفتح نقاش سياسي قوي لكي نحضر بمقارية قوية ومتوازنة في كل الملفات على الصعيد الدولي خاصة في الملف الفلسطيني وهذا سيكون ربحا وإستثمارا على مستوى قضية وحدتنا الترابية.