المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة يحاول أن يدخل إلى قلب النزاع، الذي يقترب من إكمال عقده الرابع، من أبواب متفرقة، ومنها تحفيز أكبر عدد من دول الجوار للمساهمة في إيجاد حل لا غالب فيه ولا مغلوب، مادام المغرب والجزائر غير قادرين لوحدهما على الجلوس إلى طاولة واحدة وإيجاد حل لهذا الجرح النازف منذ أربعة عقود.
هناك أشياء تتحرك في عقل روس الذي لا يريد أن يكون مآل مهمته الفشل، كما حصل مع من سبقوه من وسطاء أمميين، ولهذا لم يقدم استقالته بعد أن أعلن المغرب رسميا سحب ثقته منه السنة الماضية، مع أن جوهر عمل الوسيط، في أي نزاع، هو ثقة الطرفين في نزاهته وحياده. روس دبلوماسي عنيد، وهو حتما سيجرب حظه هذه المرة مع أطراف النزاع، وسيطرح أفكارا جديدة، وسيراقب أداء وتصور وخطط وزير الخارجية الأمريكي الجديد، جون كيري، الذي يحظى بنفوذ كبير في البيت الأبيض ربما أكثر من هيلاري كلينتون، كيري الذي يتمتع بثقة الرئيس أوباما، كما يتمتع بخبرة طويلة في الكونغرس وفي الشؤون الخارجية مع شخصية قوية، ولهذا قد يتحمس لإيجاد حل لنزاع الصحراء، خاصة إذا أعطى المغرب الضوء الأخضر للبحث عن طريقة أخرى لإنزال مشروع الحل السياسي في المناطق المتنازع عليها.
الجزائر طبعا لا تريد حلا سياسيا ولا غير سياسي لهذا النزاع، لأن رؤيتها للمنطقة المغاربية فيها ثابت واحد وهو إضعاف الرباط، وإلهاؤها في أكثر من ملف حتى لا تلعب دورا أكبر من الجزائر في المنطقة المغاربية والعالم، والباقي تفاصيل بالنسبة إليها، لكن هذه المواقف يمكن أن تتغير إذا ما تحركت أوربا وأمريكا وضغطتا على الجزائر لدفعها إلى قبول تسوية نزاع الصحراء. لقد رأينا كيف أن الجزائر كانت ضد التدخل الفرنسي في مالي، لكنها غيرت موقفها لما تعرضت للضغط الفرنسي والغربي...
هناك طرفان متضرران من بقاء هذا النزاع مفتوحا إلى أجل غير مسمى. أولا، هناك الأسر الصحراوية المشردة في مخيمات تندوف، وعائلاتها المحروقة بنار الفراق في العيون والسمارة والداخلة... ثم هناك المغاربة الذين يرون %59 من مجموع مساحة بلادهم في سوق المفاوضات الدولية، ووسط لعبة المصالح والمواقف والدسائس، ثم لا ننس أن المغاربة مولوا الجهد الحربي قبل 20 سنة، والآن يمولون «الجهد التنموي الكبير» الذي يخصص للمناطق الصحراوية. يكفي أن نعرف أن الميزانية التي تخصص للمساعدات المباشرة وغير المباشرة التي تذهب إلى المناطق الصحراوية تفوق 4.6 ملايير درهم (الإنعاش الوطني، المساعدات الغذائية، فارق الأجور المضاعفة، الإعفاءات الضريبية...)، هذا دون الحديث عن ميزانية التسلح التي تصرف على خلفية هذا النزاع من أجل حراسة التوازن العسكري مع الجزائر، وغير ذلك من أقساط الفاتورة الكبيرة التي يدفعها المواطن، في الشمال كما في الجنوب، من جيبه.
لهذا فإن المغرب مطالب بعدم التوقف عن البحث عن حل لهذا النزاع، وبتجريب كل المداخل، وإذابة كل الثلوج التي تراكمت فوق هذا الملف منذ عشرات السنين. مقترح الحكم الذاتي فكرة جيدة، وإن كان إخراجها السياسي والإعلامي لم يكن جيدا، وكان الأولى أن تبقى هذه الورقة تحت الطاولة حتى تتقدم المفاوضات، وخاصة مع الجزائر، حول ملف الصحراء، لكن على الأقل، الحل السياسي أبعدنا نسبيا عن الحل القانوني الذي وصل إلى الباب المسدود، والآن على الدبلوماسية أن تحقق اختراقات جديدة في الداخل والخارج لإقناع البوليساريو بأن عصفورا في اليد أفضل من عشرة فوق الشجرة.. شجرة تزداد علوا يوما بعد آخر كلما تقدم المغرب على طريق الديمقراطية والتنمية ودولة حقوق الإنسان.