كانت مفاجأة لي انني لم اجد البضاعة المنتظرة، عبد الله بوانو الشاب الذي يمثل الجيل الثاني وسط حزب المصباح قدم تحليلا رصينا للوضع السياسي في البلد وخراطة عمل تستحق الاهتمام والمناقشة.فماذا قال ؟
منذ البداية الندوة قدم تمييزا سياسيا وليس أيديولوجيا ولا عقديا للقوى السياسية في البلد وهذا امر مهم جداً بالنسبة لواحد من أبناء الحركة الاسلامية، قال في المغرب اليوم اتجاهين، واحد محافظ سياسيا مناصر الجمود يجر البلاد للخلف لان مصالحه وعقليته وثقافته ضد الاصلاح والديمقراطية، وهذا الاتجاه الجامد موجود في محيط المؤسسة الملكية والأحزاب والأوساط الاقتصادية والجهاز الاداري.
قوى المحافظة هذه تدعي مناصرة الشرعية الملكية لكنها تقايض هذا الدعم بتعطيل الاصلاح وابتزاز الدولة حتى تحصل على صفقات وامتيازات ومواقع ونفوذ، وهي للأسف لا ترى نفسها في التوجه الإصلاحي الذي يقوده الملك وفي نفس الوقت لا تعارضه مباشرة وعلانية بل تختبئ خلف جدران وستائر ومعارك وهمية. وقدم بوانو مثال عن ذلك بفتوى المجلس العالمي الاعلى التي أفتى بقتل المرتد عن الدين السلامي وقال لقد أخذ الملك محمد السادس مسافة واضحة وذكية مع هذه الفتوى ،عندما حضر اول خطبة جمعة بعد صدور هذه الفتوى كان موضوعها( الخطبة ) حرية الاعتقاد في الاسلام.
انها رسالة واضحة من الملك اتجاه فتوى متزمتة. نفس الشيء حصل اتجاه الحراك المغربي وحركة ٢٠فبراير ففيما وقفت قوى محافظة ضدها اختار الملك التجاوب مع مطالبها وقدم ثمنا لهذا التجاوب هو خطاب ٩مارس ودستور فاتح يوليوز. والآن نرى يقول قائد اوركيستر الكتيبة البرلمانية للمصباح. قوى تحاول إجهاض المكتسب الدستوري وتنزيله بتأويل غير ديمقراطي.
وهناك حسب بوانو اتجاه إصلاحي وسط المؤسسة الملكية ووسط أحزاب والمجتمع المدني ورجال الاقتصاد والأعمال. وهؤلاء يسعون الى تطوير الجوانب العصرية في المؤسسة الملكية حتى تتماشى مع التطور ومع مطالب الشعب وتصبح أداة استراتيجية لوضع المغرب على سكة التحول الديمقراطي للدخول الى النادي الإصلاحي بأقل تكلفة. هذا وختم بوانو تحليله بالدعوة الى تحالف استراتيجي بين الملك والقوى الديمقراطية لان هذه القوى هي التي تدافع عن المشروعية الحقيقية وهي التي تعكس مطالب المجتمع والعصر والتحول.
هذه الخطاطة وهذا التقسيم السياسي الذي يعتمد القرب او البعد من الديمقراطية كأساس للتصنيف خطوة مهمة وتقدم إيجابي من قبل واحد من أبناء الحركة الاسلامية والذي دعا في نفس الندوة الى مراجعة فكر الحركة الاسلامية التقليدية هذا الفكر الذي اصبح متجاوزا ومطلوب منه مراجعات كبيرة في منهجية التفكير وفي استيعاب الواقع وفي الفهم المتجدد للنص .فكر الحركة الاسلامية التقليدي مدعو للمرور الى ما بعد الحركة الاسلامية تماماً كما كانت مرحلة ما بعد الحداثة تجاوزا واستيعابا ونضجا ونقدا للحداثة يقول بوانو
حرية الاعتقاد مثلا من صميم الدين يقول برلماني مدينة مكناس ولا يجوز للمتدين الخوف منها فقط لانها جزء من مبادئ حقوق الانسان العالمية. الحريات الفردية والجماعية جزء من منظومة (لا إكراه في الدين ).
هذه بوادر تغيرات هامة في فكر وممارسة جيل جديد في المغرب. وهذا الجيل موجود اليوم في مل الاحزاب والجمعيات وهو يحاول بطرق شتى ان يعبر عن جيل جديد من الإصلاحات وفهم جديدة للمطالب الاجتماعية والسياسية لكنه للأسف مازال واقعا تحت وصاية الجيل القديم الذي مازال يعيش في مغرب ما قبل ٢٠١١ ولم يستطع ان يزيل نظارات الماضي.