فحتى لو توصل إلى خارطة طريق للوصول إلى حل ما سياسي أو قانوني يقبل به الصحراويون هنا وهناك، فإن الكلمة النهائية موجودة في الجزائر والرباط، لهذا عوض أن يضيع وقته في البحث عن حلول جزئية لمشاكل لا تنتهي حول احترام حقوق الإنسان في العيون ومخيمات تندوف، وحول الزيارات المتبادلة، وحول صلاحيات المينورسو وغيرها، كان الأولى به أن يتحدث مع جنرالات الجزائر الذين يحكمون البلاد بقبضة من حديد، ويستفسرهم عن مطالبهم من وراء دعمهم للبوليساريو، وعن المقابل الذي يطلبونه لرفع أيديهم عن هذا النزاع، وبعدها كل شيء سيصبح سهلا وممكنا.
التقيت مسؤولا صحراويا خبيرا بنزاع الصحراء قبل ثلاث سنوات، وسألته عن حظوظ روس في إيجاد حل لهذا الملف المعقد الذي سيكمل بعد سنة ونصف عقده الرابع فقال لي: «كريستوفر روس موظف متوسط في الخارجية الأمريكية، وهو كان سفيرا في الجزائر وسوريا، ويعرف العربية جيدا، ولهذا اختير لهذه المهمة، لكنه لا يتمتع بقوة ولا نفوذ جيمس بيكر، وزير خارجية بوش الأب، ولهذا فإن هذا الموظف المتوسط سيعمل على تمطيط مهمته أطول مدة ممكنة حتى يستمر في تقاضي 11 أو 12 ألف دولار شهريا من الأمم المتحدة، لا أكثر ولا أقل!». استغربت آنذاك هذا التحليل الذي يربط أسلوب عمل روس بالراتب الذي يتقاضاه دبلوماسي أمريكي من الأمم المتحدة، لكن مع توالي السنوات، ومع إصرار روس على الاستمرار في مهامه، رغم أنه لم يحقق أي نتيجة منذ تعيينه في هذا المنصب سنة 2009، تذكرت تحليل هذا الصحراوي المخضرم.
لنرجع إلى المطلوب منا كمغاربة إزاء هذا النزاع الذي تصرف عليه الدولة كل سنة أكثر من نصف كلفة صندوق المقاصة، حوالي 2.5 مليار دولار كل سنة بين المساعدات التي تمنح للصحراويين والإعفاءات الضريبية والرواتب المضاعفة، ومرابطة الجيش والأجهزة الأمنية في منطقة متوترة، ناهيك عن كلفة التسلح ومشروع المغرب العربي المتوقف منذ عشرات السنين نتيجة هذا النزاع الذي أراده بومدين حجرا في حذاء المغرب، فإذا به يتحول إلى مسمار في نعش المغرب العربي كله.
1- لا بد من التوقف عن إحراج الجزائر بموضوع فتح الحدود، وعدم الضغط عليها علنيا بهذا الخصوص في الخطاب الرسمي المغربي، فجارنا الشرقي عنيد، وفي خزائنه مليارات الدولارات من عائدات الغاز التي تغنيه ليس فقط عن فتح الحدود مع المغرب، بل عن سماع أي انتقاد له من قبل أوربا أو أمريكا على عدم تعاونه مع المغرب، إذن «الحك» على هذا الجرح لم يعط نتيجة، ومن الأفضل تركه والبحث عن طرق أخرى. الجزائر حالة خاصة، وعلاقاتها متوترة باستمرار مع جيرانها، ومع فرنسا التي تعرفها أكثر من أية دولة أخرى.
2- لا بد من البحث عن قنوات أخرى للمفاوضات مع جيراننا للوصول إلى النواة الحاكمة في الجزائر، بكل الطرق الممكنة وبعيدا عن الأضواء. فإذا كان السياسيون قد أخفقوا فلا بأس أن يجرب آخرون حظوظهم. ليس فقط عبد العزيز بوتفليقة هو المشكل الوحيد في الجزائر، بل جيل كامل في المؤسسة العسكرية يتربى الآن على معاداة المغرب، ويعتنق عقيدة فاسدة اسمها «قوة الجزائر من ضعف المغرب» والعكس صحيح، لهذا يجب أن نتوقف عن تغذية هذا الشعور الخاطئ بمهاجمة الجزائر في الخطاب الرسمي، وأن نجرب كل أنواع الدبلوماسية، بما فيها الملكية، لمحاولة امتصاص العداء للمغرب الموجود لدى جار حكمت علينا الجغرافيا بالتعايش معه رغبنا أم كرهنا.
3- لا بد من التفكير المستمر في عرض حلول و«صفقات» تحفظ ماء وجه الرباط والجزائر للخروج من هذا المأزق. هناك دول كثيرة وصلت إلى حلول مبتكرة لإنهاء مثل هذا النوع من النزاعات التي تتغذى على أحقاد الماضي أكثر من مصالح الحاضر والمستقبل، وهذا يتطلب مجموعات تفكير تضم خبراء وشخصيات مجربة، أو جماعة حكماء تلتقي باستمرار وتحاول أن تجد حلولا لهذا المشكل الكبير. في تركيا نجح أردوغان قبل سنوات في تشكيل مجموعة حكماء من المجتمع المدني للتفكير والتخطيط لحل الأزمة الكردية، وهي أزمة أخطر وأكبر من مشكلة الصحراء، لأن دماء كثيرة سالت بين الأغلبية التركية والأقلية الكردية في سبيل الدفاع عما يراه كل طرف حقوقه وثوابته. وكان أول عمل لهذه اللجنة أنها وضعت دليلا لأكثر من 200 نزاع مشابه للأزمة الكردية حول العالم، والطرق التي حلت بها تلك النزاعات، وكذلك الطرق التي لم تؤد إلى أي حل، للاستفادة منها، ولقد رأينا رسالة الزعيم أوجلان من سجنه، وكيف أنهت عقودا من الصراع بين الأكراد والدولة التركية. لقد لعبت لجنة الحكماء هذه دورا كبيرا في حل هذا النزاع من خلال توصياتها للحكومة وللحزب العمالي الكردستاني. هذا نموذج فقط وهناك نماذج أخرى، المهم أن نفكر وألا نستسلم لحتمية الصراع مع الجار كيفما كانت طباع هذا الجار.