هذه الجملة التي جاءت في آخر حوار لعبد الإله بنكيران مع جريدة الشرق الأوسط السعودية، كررها رئيس الحكومة مرات عدة... ونحن هنا سنحاول أن نحللها، ونبحث عما وراءها وما أمامها مادام زعيم الإسلاميين المعتدلين كررها أكثر من مرة.
سيد بنكيران، إن الأغلبية الساحقة من المغاربة لا تريد منك، لا أنت ولا غيرك، أن تصطدم بالملك، والملوك أساسا وجدوا في العصر الحديث لكي لا يصطدم بهم أحد، ووظيفتهم السياسية والدينية والرمزية تتمثل في كونهم مؤسسات للاستمرارية والوحدة والتلاحم في المجتمعات المتنوعة أو ذات التاريخ العريق، والتي لا تميل إلى القطيعة مع تراثها... الملوك في الأنظمة السياسية الحديثة مثل الزيت في محرك السيارة، يساعد على الحركة والتفاعل بسلاسة ويسر ودون اصطدام.
سيد عبد الإله بنكيران، ليس المطلوب منك الاصطدام بالملك، فهذا خارج وظائفك السياسية والدستورية، ومليون وبضعة آلاف ممن صوتوا لحزبك في آخر انتخابات فعلوا ذلك لأنك وعدتهم بالإصلاح في إطار الاستقرار، وبمحاربة الفساد والاستبداد.
الآن تقول لهم: «إن الإصلاح ممكن في المغرب لكن بسرعة أقل مما كنا نتصور». سرعة أقل هل هي 60 كلم في الساعة، أم 40 كلم في الساعة، أم 3 كلم في الساعة؟ سرعة أقل هنا قد تعني الجمود وعدم الحركة تقريبا، تماما مثل شخص يركب سيارة تمشي بسرعة ضئيلة، أو بالكاد تتحرك، سيصبح الركض أو حتى المشي أسرع من ركوبها، ومن ثم يطرح السؤال حول جدوى ركوب السيارة من الأصل، كما يطرح السؤال حول جدوى حكومتك من الأصل، فإذا كان الإصلاح يجثو على ركبتيه فإن الفساد ينتشر بسرعة أكبر.
لنرجع إلى حكاية «الاصطدام بالملك»...
المؤسسة الملكية مؤسسة محافظة جدا بطبيعتها أولا، ونوع المحيطين بها ثانيا، وهذه المحافظة الشديدة تتجاوز أحيانا حتى رغبات الجالس فوق العرش لأن الملكية مؤسسة وثقافة ومحيط وتقاليد وأعراف، وليست شخصا فقط. لذا رأينا كيف أن عددا من المحيطين بهذه المؤسسة، وعددا من القوى المدنية والعسكرية، مثلا، كانوا ضد قرار فتح كتاب خروقات حقوق الإنسان في العهد السابق، وكيف أن عددا من كبار رجال الدولة لم يتجاوبوا مع هيئة الإنصاف والمصالحة التي قادها الراحل إدريس بنزكري رغم أن الهيئة تشكلت بقرار ملكي، وهناك أمثلة عديدة على قرارات ومشاريع إصلاحية قادها الملك، لكن قوى الجمود المحيطة به عارضتها، بل وقاومتها بطرقها الخاصة.
الذين صوتوا لبنكيران، والذين مازالوا يأملون في أن يقود البلاد على درب جيل جديد من الإصلاحات، لا يطالبونه بالاصطدام بالملك، بل يطالبونه بأن يكون قوة دافعة للإصلاح مع الملك، لا أن يكون خلفه، بل أن يكون إلى جانبه، وأن يكون واعيا بأن من مصلحة المغرب والمؤسسة الملكية ذاتها أن يكون لها شركاء أقوياء، هناك مثل إنجليزي قديم يقول: «إن الخادم الجيد لا ينفذ كل التعليمات»، من مصلحة القصر أن يكون إلى جانب الملك رئيس حكومة قوي ينتمي إلى الجناح الإصلاحي وحتى التقدمي في المجتمع يعرف متى يقول نعم ومتى يقول لا، لا أن يكون رئيس الحكومة المنتخبة جزءا من قوى المحافظة والجمود التي تجر المؤسسة إلى الخلف ولا تدفعها إلى الأمام. مثل هذه القوى كثيرة ومتعددة في المغرب، وهي أحد أسباب تعثر الانتقال الديمقراطي... ليس مطلوبا من بنكيران أن يكون ملكيا أكثر من الملك. إن شرعية هذا الأخير أصبحت محل إجماع واسع وقبول عريض، لهذا يجب أن نمر إلى الجواب عن سؤال: كيف سيحكم رئيس الحكومة مع الملك؟ وليس: هل يصطدم رئيس الحكومة بالملك؟ هذا سؤال مغلوط يا سيد بنكيران.