القائمة

أرشيف

التنظيمات السرية بالمغرب (1): منظمة اليد السوداء التي جعلت المستعمر الفرنسي يعيد حساباته

شهد المغرب بعد سريان معاهدة الحماية، ميلاد العديد من المنظمات السرية، التي كانت تعمل في الخفاء، ضد المستعمر الفرنسي وأعوانه. واشتد عود هذه المنظمات في سنوات الخمسينات، ومن بينها منظمة اليد السوداء التي جعلت النوم يجافي عيون الفرنسيين، إلا أن اعتقل أعضاءها وصدرت في حقهم أحكام تراوحت بين 20 سنة سجنا نافذا والنفي والإعدام.

نشر
مسيرات ضد سلطات الحماية الفرنسية/ أرشيف
مدة القراءة: 3'

بعد نفي السلطات الاستعمارية سنة 1953 الملك محمد الخامس إلى مدغشقر، اشتدت العمليات الفدائية التي كانت تقوم بها المقاومة، لكن رغم ذلك لم تستطع هذه العمليات التي كانت في الغالب فردية وغير منظمة التأثير على سلطات الحماية والمتعاونين معها.

ولجأت الحركة الوطنية بعد ذلك إلى التفكير في خلق تنظيمات سرية تتولى الكفاح المسلح ضد المستعمر ورموزه، فكان ظهور منظمة "اليد السوداء" وهي المنظمة التي كانت تعرف أيضا باسم "مجموعة سينيما ريو".

وقررت المنظمة التي كان من بين أعضائها مولاي الطاهر، وأحمد الرشيدي، ومحمد الزرقطوني أن تبدأ تحركاتها ببعث رسالة قوية إلى المستعمر الفرنسي، وقررت قتل ثلاثة موالين لسلطات الحماية هم العربي المسكيني ومحمد بنيس والمقدم عبد الله الفاسي.

ومابين الرابع والخامس شتنبر من سنة 1953 قتل العربي المسكيني، وبعد يوم واحد قتل محمد بنيس، وبعد ثلاثة أيام قتل المقدم عبد الله الفاسي. فتفطنت فرنسا إلى أن المقاومة دخلت في مرحلة جديدة.

وخلال رأس السنة الميلادية قررت المنظمة بعث رسالة أشد قوت لسلطات الحماية، وكانت حادثة قنبلة السوق المركزي بالدار البيضاء التي زرعت الهلع والخوف في صفوف المستعمرين.

لكن المنظمة وقعت بعد ذلك في أخطاء فادحة، حسب ما يروي المجلد السابع من سلسلة "مذكرات من التراث المغربي"، اذ انفتحت على الكثير من الملتحقين دون احتياط، كما أنها لم تحترم أحد المبادئ الأولية للعمل السري وهو فصل الإطارات، وهو ما أدى إلى سقوط معظم أعضائها في أيدي الفرنسيين.

فقد كانت الاعتقالات الأولى كافية لتمكين سلطات الحماية من كشف كل إطارات المجموعة، وتمت متابعة أزيد من ستين شخصا أمام القضاء.

المحاكمة ..السجن والاعدام والنفي

امتدت محاكمة منظمة "اليد السوداء من 22 يونيو إلى 5 يوليوز 1954، واتهم المعتقلون الذين تمت إحالتهم على المحكمة العسكرية بتأسيس "عصابة".

وكتب أحد محامي الدفاع عن المحاكمة بحسب ما جاء في سلسلة مذكرات من التراث المغربي:

"كانت إجابات أحد المتهمين أحمد الرشيدي على أسئلة رئيس لمحكمة كالآتي:

الرئيس: إن في عملكم رجوعا إلى الوراء. إنه يمثل عودة إلى القرون الوسطى...

الرشيدي: نعم هناك إقطاعيون بالمغرب كمثل الكلاوي...

الرئيس لن تحققوا شيئا بواسطة العنف.

الرشيدي: إن العنف يلائم الوضع الراهن، لقد كان لنشاطي هدف سياسي. فقد طرد ملكنا فقتلت مقدما لأعطي المثال للخونة الآخرين. وكان ذلك مجرد بداية. وستكون هناك اغتيالات أخرى بدوني.

الرئيس: ماذا يعني الاستعمار؟

الرشيدي: إنه العبودية أنا لم أندم على شيء. بل أنا فخور بموتي من أجل الدفاع عن قضيتي. وسيحكم علي لأنني قتلت خائنا، من طرف أولئك الذين ينادون بالحرية والديمقراطية.

الرئيس: سيصدر حكم في حقك لأنك إرهابي.

الرشيدي: أنا أمارس الإرهاب كما مارستموه ضد النازية. فهل هذا إرهاب أم مقاومة؟.

وأدانت المحكمة المتابعين وأصدرت في حقهم أحكاما تراوحت بين 20 سنة سجنا نافذا والنفي، وقضت على أربعة متابعين بينهم الراشيدي بلإعدام، ونفذ فيهم الحكم بسجن العادر يوم 4 يناير من سنة 1954، وأثناء تنفيذ الحكم رفض الرشيدي وضع عصابة على عينيه وقال "لاتعصبوا عيناي، بل دعوني أرى للمرة الأخيرة سماء وطني الزرقاء".

وبعد ستة أشهر من تنفيذ حكم الإعدام، وبالضبط في الساعات الأولى من صباح يوم الجمعة 18 يونيو 1954، اقتحمت قوات الاستعمار منزل الشهيد محمد الزرقطوني بسيدي معروف بالدار البيضاء، وكان هذا الأخير قد وعد رفاقه بأن الفرنسيين لن يقبضوا عليه إلا وهو جثة هامدة، وقبل دخول الشرطة، ابتلع حبة سم، وما إن وصل إلى مخفر الشرطة حتى فارق الحياة.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال