القائمة

أرشيف  

في الذاكرة [25#]: أبو بكر الرازي.. أبو الطب العربي ومؤسس الطب التجريبي

يعتبر أبو بكر الرازي من أهم أطباء الحضارة الإسلامية، حيث يعد مؤسس الطب التجريبي على الحيوانات، كما أنه يعد أول من استخدم الكحول للتطهير. ولد في مدينة الري التي أصبحت اليوم جزءً من الجنوب الشرقي لمدينة طهران الإيرانية.

نشر
أبو بكر الرازي / توضيب محمد المجدوبي [يابلادي]
مدة القراءة: 4'

كان القرن التاسع الميلادي شاهدا على ميلاد واحد من أعظم أطباء الحضارة الإسلامية، الذي وصل تأثيره إلى مشارق الأرض ومغاربها. هذا الطبيب يدعى أبو بكر محمد بن زكريا الرازي، ولد سنة 864 بمدينة الري التي تقع في مدينة طهران الحديثة، وتوفي سنة 923.

والرازي كان مولعا منذ صغره بالعلم والعلماء، وهو ما شهد له به العديد من المستشرقين من أمثال ستابلتون الإنجليزي الذي قال في حقه "بقي بلا ند حتى بزوغ فجر العلم الحديث بأوروبا".

ونظرا لأهميته "علقت مدرسة الطب بباريس صورة ملونة للرازي إلى جانب ابن سينا وابن رشد، وخصصت جامعة برنستون الأميركية أفخم ناحية في أجمل مبانيها لعرض مآثره"، بحسب ما يحكي عبد اللطيف العبد، في تحقيقه لكتاب "أخلاق الطبيب الرازي".

درس الرازي الطب وعمل في بيمارستان (كلمة فارسية تعني المستشفى) بلده الري، ثم انتقل إلى عاصمة الدولة العباسية بغداد، وكلفه الخليفة المعتضد بالله، بالإشراف على بناء البيمارستان العضدي.

ويشير ابن أبي أصيبعة في موسوعته عيون الأنبياء في طبقات الأطباء، إلى أن عضد الدولة سأل الرازي عن مكان لبناء المستشفى فأمر الرازي "بعض الغلمان أن يعلق في كل ناحية من جانبي بغداد شقة لحم، ثم اعتبر التي لم يتغير فيها اللحم بسرعة فأشار بأن يبنى في تلك الناحية، وهو الموضع الذي بني فيه البيمارستان".

وبذلك اختار الرازي أفضل مكان من حيث نقاء الهواء وجودته واعتداله، وهو ما من شأنه أن يساعد المرضى الذين يرتادون المستشفى.

وعند الانتهاء من أشغال البناء جمع الخليفة العباسي أمهر الأطباء في بغداد، واختار من بينهم أبو بكر الرازي مديرا ورئيسا للبيمارستان العضدي.

ويعتبر الرازي أول من أرسى دعائم الطب التجريبي على الحيوانات، فكان يجرب بعض الأدوية على القردة، فإن أثبتت كفاءة وأمانا جربها على الإنسان، كما أنه يعد أول من استخدم الكحول للتطهير فسبق بذلك أطباء العصر الحديث، ويشير كامل محمد عويضة في كتابه "أبو بكر الرازي - الفيلسوف الطبيب"، إلى أن الرازي "يبتكر الحلول لبعض المشكلات الطبية نفسا وجسدا والتي لم يبلغها كبار الأطباء السابقين عليه، فقد وصل إليها نتيجة الملاحظة والتجربة".

وإلى جانب الطب درس الرياضيات، و‌الفلسفة، و‌الفلك، و‌الكيمياء، و‌الأدب، وألف العديد من الكتب يبقى أبرزها كتاب "الحاوي في الطب"، الذي ضم كل المعارف الطبية منذ أيام الإغريق حتى عام 925 وظل المرجع الطبي الرئيسي في الطب، وتمت ترجمة كتب الرازي إلى العديد من اللغات.

ويؤكد محمد عويضة في كتابه أن الرازي كان "صاحب حياة حافلة بالجد والمعرفة، كان في الطب جالينوس العرب، وفي الفلسفة فيلسوف الإسلام. كان ممثلا للاتجاه المنهجي المقنن للدراسات الأخلاقية. ولذا يمكن اعتباره مصلحا اجتماعيا إلى جانب كونه عالما وفيلسوفا".

فيما قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء "الأستاذ الفيلسوف أبو بكر، محمد بن زكريا الرازي الطبيب، صاحب التصانيف، من أذكياء أهل زمانه، وكان كثير الأسفار، وافر الحرمة، صاحب مروءة وإيثار ورأفة بالمرضى، وكان واسع المعرفة، مكبا على الاشتغال، مليح التأليف".

ولم ينس الرازي الكتابة في أخلاقيات مهنة الطب، ففي رسالته "أخلاق الطبيب" نصح الأطباء قائلا "اعلم أنه من أصعب الأشياء للطبيب خدمة الأمراء، ومعالجة المترفين والنساء، فإن الطبيب الحر السيرة إذا اشتغل بصناعته، وحفظ الخاصة والعامة، فإنه يعيش بخير، ويكون عليهم أميرا، وإذا توسّم بخدمة الملوك، ربما صار بخدمتهم أميرا لا سيما إذا كان الملك عاميا".

وكغيره من نبغاء زمانه، اتهم الرازي بالإلحاد ونسبت إليه كتب ومقالات فلسفية تنتقد الاديان والنبوة والكتب السماوية، وجاء في كتاب "أبو بكر الرازي - الفيلسوف الطبيب"، أن الرازي اتهم "بأنه ينكر النبوة تماما وقرن في ذلك إلى ابن الرواندي والمعري والبراهمة، ومن العجيب أن ما اتهم به هؤلاء اتهم به الرازي (...) وقد توالت الاتهامات عل الرازي فقيل إنه ينكر النبوة، ولذا وصف بالملحد ونسبت له رسالة اتهم من أجلها بالمروق عن الدين (...) وقيل من باب الحيرة إنها تدعي حيل المتنبئين".

وأرجع عبد الرحمن بدوي في كتابه "تاريخ الإلحاد في الإسلام"، هذه الاتهامات إلى خصوم الرازي وقال "ابن زكريا الرازي كل ما لدينا عنه يرجع إلى ما يورده الخصوم فضلا عن ندرة هذه الآثار أصلا".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال