القائمة

أرشيف

احتفالات عاشوراء في المغرب بين الماضي والحاضر

كان المغاربة قديما يحتفلون بعاشوراء بطرق خالية من العنف، لكن الوضع تحول اليوم وأصبحت هذه الاحتفالات تأخذ طابعا عنيفا، حيث تسفر في كثير من الأحيان عن خسائر مادية، إضافة إلى وقوع إصابات متفاوتة الخطورة، ويرى الأخصائي في علم النفس الاجتماعي محسن بنزاكور والباحث الحسين أيت باحسين أن ذلك يعود بالأساس إلى تخلي البعض عن المبادئ والقيم.

نشر
صورة تعبيرية
مدة القراءة: 4'

تحولت شوارع مجموعة من المدن والاحياء المغربية ليلة عاشوراء التي تصادف العاشر من محرم إلى أماكن يقصدها مجموعة من الشباب من أجل إشعال النيران واللعب بشتى أنواع المفرقعات والتراشق بعدة مواد خطيرة كماء "جافيل" بل وحتى حمض الكلوريدريك (الماء القاطع)، وهو ما وثقته مجموعة من الفيديوهات التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي.

واستمرت هذه "الاحتفالات" إلى ساعات متأخرة من الليل، ما خلف استياء وانزعاج عدد من المواطنين، ولم يقتصر الأمر فقط على الأحياء الشعبية كما كان سابقا، بل انتقلت العدوى إلى أحياء أخرى، وتحولت هذه الاحتفالات في مجموعة من الاحياء إلى فوضى تخللتها أعمال الشغب، أسفرت عن خسائر مادية وإصابة البعض بجروح متفاوتة الخطورة.

وفي تصريح لموقع يا بلادي، قال محسن بنزاكور، الأخصائي في علم النفس الاجتماعي، "في البداية كان الاحتفال بيوم عاشوراء له بعد رمزي، إلا أنه مع مرور الوقت تغيرت المفاهيم وأصبح هذا اليوم مناسبة للانتقام وتفريغ المكبوتات" وأضاف أن "هذه الظاهرة بدأت تتحول على مر العقود إلى عدوى وأصبح الأطفال والمراهقون ينتظرون هذه المناسبة للقيام بهاذه الأفعال".

وتحول الأمر بحسب بنزاكور إلى ما يشبه التحدي حيث "أصبح هؤلاء الأشخاص يتحدون الكبار ورجال الأمن، من أجل تلبية رغباتهم ونزواتهم وخلق جو من الفوضى والرعب".

وأوضح أن هؤلاء "لم يعودوا يبالون بالقيم والمبادئ، في سبيل تلبية رغباتهم وتفريغ عقدهم النفسية ومكبوتاتهم"، مشيرا إلى أن "أنانية مرتكبي مثل هذه الأفعال وصلت لدرجة تلذذهم بإزعاج الآخر، فهناك بعض الأشخاص لا يحسون بالسعادة إلا عندما يشعرون بشقاء الآخرين وهو بالفعل ما وصلنا إليه اليوم".

وواصل حديثه قائلا "تغيرت المرجعية من دينية اجتماعية إلى مرجعية تعتمد على تمرير الخطاب العنيف، ولم يعد مرتكبو مثل هاته الأفعال يؤمنون بالقيم والمبادئ"، وأكد أنه "عندما تتغير المرجعية فذلك يؤثر سلبا على السلوك وأصبح شعارهم هو التحدي بدون دراسة العواقب وبدون التفكير في الآخر".

وبحسب بنزاكور فقد أصبحت هذه المناسبة تثير خوف الأسر المغربية، إلى حد أن بعض الآباء "منعوا أبناءهم من الذهاب إلى المدرسة طيلة أيام الاحتفالات تخوفا من أن يصيبهم مكروه"، وتابع أن "الأمر لم يعد يقتصر فقط على الشوارع بل انتقل إلى المدارس وأصبح كل شيء مباحا. أصبحنا نميل إلى المتعة وسريعي التأثر بالعنف ونقلد ما نرى كما أننا نريد أن ننتمي اجتماعيا، ونجد المبررات لارتكاب مثل هاته الأفعال".

وحمل الاخصائي في علم الاجتماع المسؤولية، إلى الدولة وأشار إلى أنها "لا تتدخل في تنظيم مثل هاته الاحتفالات"، ورأى أن هذه الظاهرة أصبحت "ظاهرة اجتماعية"، مشددا على ضرورة اتخاد الدولة تدابير من أجل مصاحبة هذه الاحتفالات "ليس بسن قوانين تشرع هذه الاحتفالات طبعا، ولكن لتنظيمها وحماية المواطنين، وأيضا تنظيم حملات توعوية والتحسيس بخطورة هذه الأفعال"، كما حمل جزء من المسؤولية، "إلى أصحاب المحلات التي تبيع مثل هاته المواد للمراهقين".

من جانبه قال الحسين أيت باحسين، الباحث السابق بمركز الدراسات الأنتروبولوجية والسوسيولوجي بالمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، إن "الاحتفاء بعاشوراء في المغرب، يتخذ صبغة احتفالية، كما هو الشأن بالنسبة للبلدان ذات المذهب السني المالكي. لكن مع التمييز، في هذه الاحتفالات بين ما يقوم به الفقهاء وما تقوم به النساء وما يقوم به الأطفال وما تقوم به الفئات الشعبية من احتفالات".

فالاحتفالات بهذه المناسبة تتخد بحسب الحسين أيتب احسين أشكالا متعددة "رجال الدين يعتمدون في احتفالاتهم على أحاديث وعادات وتقاليد، أما النساء فبعضهن يقمن بزيارة قبور المتوفين من الأهل، وبعضهن يقمن بزيارة أضرحة معينة، وبعضهن ينظمن حفلات جماعية أو عائلية، لهن في ذلك طقوس وأغاني معروفة لدى الجميع، كما أن بعضهن تعتبرنه يوما مميزا لممارسة الشعوذة".

وبخصوص الأطفال فقد أكد أنهم كانوا قديما، يكتفون باقتناء اللعب، وتشكيل مجموعات لكي يتوسلوا الكبار لمدهم بما يجود به "بابا عايشور" من مال أو غيره، ويقومون برش بعضهم البعض بالماء، استحضارا لذكرى نجاة بني إسرائيل من الغرق، وذكرى نجاة إبراهيم الخليل من الاحتراق بالنار".

بالمقابل أصبحوا اليوم "يلجؤون إلى وسائل تشكل خطورة على البلاد والعباد كاللعب بالمفرقعات التي يكون في غالب الأحيان كثير من المارة ضحايا لها، ويرشقون المارة بمواد كيماوية خطيرة، تنتج عنها أحيانا تشوهات جسمية".

وختم حديثه لموقع يابلادي قائلا "هذه الممارسات السلبية تدل على التوجهات القيمية التي بدأ مجتمعنا يعرفها نتيجة تخلي الأسرة والمدرسة عن وظائفهما القيمية. وللإعلام، بمختلف وسائله، أيضا دوره الذي لا يستهان به".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال