صيام الست : سمعت من بعض السادة العلماء , أن المذهب المالكي يكره صيام الست من شوال , وسمعت من آخرين استحباب صيامها ,فقررت القيام ببحث لأقف على حقيقة الأمر. فقد جاء في كتاب "بداية المجتهد" لابن رشد رحمه الله تعالى : وأما الست من شوال , فإنه ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر, إلا أن مالكا كره ذلك , إما مخافة أن يلحق الناس برمضان ما ليس في رمضان , وإما لأنه لعله لم يبلغه الحديث , أو لم يصح عنده وهو الأظهر, وكذلك كره مالك تحري صيام الغرر, مع ما جاء فيها من الأثر, مخافة أن يظن الجهال بها أنها واجبة . وثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم , كان يصوم من كل شهر ثلاثة معينة وأنه قال لعبد الله بن عمرو بن العاص , لما أكثرالصيام : أما يكفيك من كل شهر ثلاثة أيام ؟ قال فقلت : يا رسول الله , إني أطيق أكثر من ذلك . قال :خمسا قلت : يا رسول الله , إني أطيق أكثر من ذلك . قال : سبعا: قلت يا رسول الله , إني أطيق أكثرمن ذلك . قال: تسعا . قلت: يا رسول الله ,إني أطيق أكثرمن ذلك . قال : أحد عشر. قلت: يا رسول الله , إني أطيق أكثرمن ذلك . فقال عليه الصلاة والسلام :لا صوم فوق صيام داود , شطرالدهر: صيام يوم وإفطاريوم ." وقال الشيخ القرطبي في تفسيره رحمه الله تعالى : قلت ولهذا والله أعلم كره الآن صوم يوم الشك والستة من شوال بإثر يوم الفطر متصلا به...وجاء في عون المعبود:با ب في صوم ستة أيام من شوال , قال - يعني النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم : " من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال ..." وقد استدل به وغيره من الأحاديث المذكورة , في هذا الباب على استحباب صوم ستة أيام من شوال , وإليه ذهب الشافعي وأحمد وداود وغيرهم . وقال أبو حنيفة ومالك : يكره صومها .واستدل لهما على ذلك بأنه ربما ظن وجوبها وهو باطل في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة..." لأنه لا اجتهاد مع وجود النص , ويظهرأن الأمركما قال ابن رشد , بأن الإمام مالكا وأبا حنيفة رضي الله تعالى عنهما لم يتوصلا بالحديث ..وجاء في تحفة الأحوذي : باب ما جاء في صيام ستة أيام من شوال : قوله من صام رمضان ثم أتبعه... بهمزة قطع ,أي جعل عقبه في الصيام بست من شوال , وفي رواية مسلم ستا من شوال , قال النووي: هذا صحيح , ولو كان ستة بالهاء جازأيضا . قال أهل اللغة: يقال صمنا خمسا وستا وخمسة وستة وإنما يلتزمون إثبات الهاء في المذكر,إذا ذكروه بلفظه صريحا , فيقولون : صمنا ستة أيام , ولا يجوزست أيام . فإذا حذفوا الأيام جاز الوجهان , ومما جاء حذف الهاء فيه من المذكر, إذا لم يذكر بلفظه قوله تعالى:" يتربصن بأنفسهن أربعة أشهروعشرا". أي عشرة أيام انتهى . فذلك صيام الدهر,لأن الحسنة بعشرأمثالها , فرمضان بعشرة أشهر, والستة بشهرين . قال النووي وقد جاء هذا في حديث تزوجها... في كتاب النسائي .قوله وفي الباب عن جابر وأبي هريرة , وثوبان ..وفي الباب أيضا عن البراء بن عازب وابن عباس وعائشة...قال ميرك في تخريج أحاديث هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم : أما حديث جابر, فرواه الطبراني وأحمد والبزاروالبيهقي , وأما حديث أبي هريرة فرواه البزاروالطبراني وإسنادهما حسن . وقال المنذري ... صحيح . وأما حديث ثوبان , فرواه ابن ماجه والنسائي وابن خزيمة في صحيحه , وابن حبان , ولفظه عند ابن ماجه : من صام ستة أيام بعد الفطر, كان كصيام السنة . من جاء بالحسنة فله عشرأمثالها ... وأما لفظ البقية فقريب منه , وأما حديث ابن عباس , فرواه الطبراني وأحمد والبزار والبيهقي , وأما حديث عائشة فرواه الطبراني أيضا, كذا في المرقاة قلت :وأما حديث البراء بن عازب , فرواه الدارقطني . قوله حديث أبي أيوب حديث حسن صحيح ,وأخرجه مسلم وأبود اود وابن ماجه...انتهى كلامه . وإن كثيرا من الناس متشوقون لصيام الست , وهناك كثيرمن العلماء من المالكية وغيرهم , استحبواصيامها , بالإضافة الى أن السيد مالكا رضي الله تعالى عنه , لم يكره صيامها حسب رواية الموطإ ... بل إنه استحب صيامها لقوله في باب صيام الفطروالأضحى والدهر:عن ابي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم , نهى عن صيام يومين , يوم الفطرويوم الأصحى . وحدثني – يعني يحي – عن مالك , أنه سمع أهل العلم يقولون : لا بأس بصيام الدهرإذا أفطرالتي نهى رسول الله , صلى الله تعالى عليه وسلم عن صيامها , وهي أيام منى , ويوم الأضحى , ويوم الفطرفيما بلغنا , وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك ... فهذا استحباب صريح لصيام الدهرفي كلام الإمام رضي الله تعالى . ولعل هذا ما جعل الإمام القرطبي , رضي الله تعالى عنه يقول : قلت ولهذا والله أعلم كره الآن صوم يوم الشك والستة من شوال بإثر يوم الفطر متصلا به...فالآن في كلامه نفهم منها أن كراهة صيام الست جاء بعد الإمام مالك...كما أنه لم يكرهها جميع المالكية , فقد جاء في كتاب القوانين الفقهية في باب أنواع الصيام ما يلي : والمستحب : صيام الأشهرالحرم , وشعبان , والعشر الأول من ذي الحجة , ويوم عرفة , وستة أيام من شوال , وثلاثة أيام من كل شهر, ويوم الإثنين والخميس... ولعل تفرق المعلومات في الكتب الكثيرة , مما يوقع البعض في فتاوى تتناقض مع بعض الأحاديث الصحيحة , فلا بد من توحيد الناس على مذهب , يجمع الأقوال المسايرة للسنة المشرفة , لأن كثيرا من العلماء أفسدوا الناس , خاصة من يفتي بجوازنكاح المتعة , وجوازمجامعة الزوجة في د برها , ووجوب لعن الصحابة رضي الله تعالى عنهم .... فهذا الصنف من العلماء همو السبب في تفرق الامة , وسبب فساد كثيرمن الطباع , وهم من يزرع الفتن بين الناس ... عبداللطيف سراج الدين