ينكر أغلب الاوروبيون فضل العلوم الاسلامية والفقه لإسلامي و تاثيرهم في المجتمع الاوروبي في حين ان هؤلاء الذين درسوا في قرطبة هم الذين اشعلوا النهضة في اوروبا، لقد كان البابا سلفستر الثاني جربرت ( Pope Sylvester )، هذا الذي ولد في مدينة بيلياك Belliac في مقاطعة أورياك Aurillac الفرنسية (940-1003م) باحثاً متعمقاً وأستاذاً وبابا مولعا و شغوفا بالعلوم العربية الاسلامية التي ازدهرت في عصره، وذاع صيتها حتى ملا الافاق وتجاوز البحار . فأثار إعجاب جربرت بالعرب فغرف من مدارس الاندلس وجامعة القرويين بمدينة فاس بالمغرب ، و التي مكث فيها فترة من الوقت.
واكتسب فيها أيضا معرفة واسعة من العلوم التي أحرز فيها تقدما عظيما لاحقا، حيث ان البابا سلفستر الثاني هذا رحل الى الاندلس انذاك واسبانيا الحالية لتلقي العلم وهو في السابعة و العشرين من عمره ودرس على يد علماء عرب في المؤسسات التعليمية العربية في الأندلس آنذاك والتي كانت تسمى "المدارس" وذلك بقرطبة و قطلونيا واشبيلية، لما كانت الاندلس في ذاك العصر منبع العلم ومنارته ومنهله الوحيد في العالم وعاصمة النور الوحيدة في اوروبا، يستمد منها نور المعرفة و الحداثة في حين كانت أوروﺑا تغوص في ظلمات الجهل و الأمية.
وعلى سبيل المثال عمّر الحضور العربي الإسلامي في إسبانيا ثمانية قرون، من العام 711 م وحتى 1502م انتشر الإسلام خلالها في ربوع هذه البلاد، وسادت ثقافته، فإن المذهب المالكي بدأ تطبيقه في الأندلس منذ (711م ـ 93هـ) أدخله زياد بن عبد الرحمن القرطبي. ، طوال هذه 800 سنة كان الأوروبيون يرسلون طلابهم إلى الدول الإسلامية التي امتدت حدودها حتى شملت جنوب فرنسا ومدن مثل ليون بواتيه كانوا يرسلون طلابهم لأخذ العلم ، وقد إنتشرت أحكام الفقه الإسلامي في كافة أنحاء أوروبا على إثر السنوات 800 التي أمضاها المسلمون في هذه القارة بل إنه حتى بعد مغادرة المسلون الأندلس.
ظل الأوروبيو ن يطبقون أحكام الفقه الإسلامي حتى بعد خروج المسلمون من الأندلس، و استمروا على اتباع تقاليد المسلمين ، وبقي التأثير مستمرا فنشؤوا على هاته التقاليد فأضحت هذه الأحكام أعرافا وكمثال على ذلك " محكمة المياه في فالينسيا " التي تزال إلى يومنا هذا تشتغل وتنظر في منازعات الفلاحين على الماء على الطريقة الإسلامية ، شكلت تجربة المسلمين في شبه الجزيرة الأيبيرية جسراً قوياً لنقل العلوم والمعارف، وتوسيع دائرة توطينها لتطال مجمل المجتمعات الأوروبية، التي لم تكن وقتئذ في أحسن حال بشهادة مؤرخيها أنفسهم. .
وفي أواخر القرن الثامن عشر غزا نابليون بونابرت المغرب العربي حتى عكا، فكان لازما لأوروﺑا وضع أول لبنة لبناء نهضتها ، وهي لبنة التشريع وسنِّ القوانين علما أن المجتمعات المتحضِّرة لابد لها من قوانين تظبط الحياة العامّة، و لضعف المجتمع الاروبي في الحقل التشريعي آنذاك ، فالأوربّي كان يعيش بين فوضى الإقطاع و ظلم الأقوياء، كان لابد من مصادرموثوقة وقوانين لمجتمعات متحضِّرة لنقلها للمجتمع الأوربي الهمجي آنداك لتنظيمه و تحويله إلى مجتمع متحضّر.
اعتمدت أوروبا في هذه المرحلة على نقل القوانين و التشريعات من الفقه الإسلامي، كقانون نابليون بونبارت ، يقول المستشرق الفرنسي لوييس فيديو صاحب كتاب "تاريخ العرب العام" يقول فيه:" إن قانون نابليون الأول مأخود من كتاب فقهي في مذهب مالك هو " شرح الدردير على متن خليل" وهو كتاب مشهور في الفقه المالكي".
يقول " أرنولد توينبي" في كتابه المعروف " الدعوة للإسلام"، " أدخل العرب الظافرون الإسلام في إسبانيا عام 711 م وفي عام 1502 أصدر ملوك الكاثوليك "فرديناند وإيزابلا" مرسوماً يقضي بإلغاء شعائر الإسلام في جميع أرجاء البلاد، إلا أن إسبانيا كتبت في الفترة الواقعة بين هذين التاريخين صفحة من أنقى الصفحات وأسطعها في تاريخ أوروبا في العصور الوسطى".
أقرّ " جوستاف لوبون "، في كتابه " حضارة العرب"، قائلا:" إذا رجعنا إلى القرن التاسع والقرن العاشر الميلادي، حين كانت الحضارة الإسلامية يانعة في إسبانيا، فإن مراكز الثقافة في الغرب كان يمتلكها سادة إقطاعيون متوحشون يفخرون بنهم لا يقرأون".
و يقول المستشرق البريطاني هربرت جورج ويلز (هربرت جورج ويلز (1866م- 1946م) كاتب ومؤرخ وعالم اجتماع بريطاني شهير له كتاب إسمه "معالم تاريخ الإنسانية" "The whole Story of Man"، يقول في هذا الكتاب " إنّ أروبا مدينة للإسلام في معظم قوانينها التجارية و الإدارية ".
يقول المستشرق الإيراندي إيدمان بيوك :" إن القانون المحمدي قانون ظابط للجميع من الملك إلى أقل رعاياه ، وهذا القانون نُسج على أعظم نظام حقوقي ، و إن شريعة الإسلام هي أعدل شريعة لم يسبق للعالم إيجاد نظام مثله قط ولا يجيء بعده مثله.
يقول " جورج سرطون" ، صاحب كتاب " مقدمة تاريخ العلم" :"لقد حقق المسلمون عباقرة الشرق أعظم المآثر في القرون الوسطى..وكانت اللغة العربية منذ منتصف القرن الثامن الميلادي حتى نهاية القرن الحادي عشر هي لغة العلم والارتقاء بالجنس البشري". المصدر موقع التاريخ الإسلامي ، قصص و عبر