الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
وبعد فهذه أبيات شعرية راقية الذوق وعالية البيان نسجت صورا فنية ملؤها الخشوع والخضوع لعظمة الله جل وعلا والاستسلام لقدرته والإنابة والافتقار إليه جل في علاه جادت بها القريحة الشعرية الفذة للشاعر إبراهيم بديوي رحمه الله تعالى وقبل نقل جملة أبيات من هذه القصيدة أفتتح بترجمة موجزة لمبدع هذه الأبيات
إبراهيم علي أحمد بديوي 1321 - 1404هـ/ 1903 - 1983م
ولد في بلدة حوش عيسى التابعة لمحافظة البحيرة غربيّ دلتا مصر حمله عمله مدرساً بالمعاهد الدينية إلى العيش في عدة مدن مصرية درس في معهد الإسكندرية الديني ثم في كلية اللغة العربية (جامعة الأزهر) ثم تخصص بالتدريس سنة 1937 كان رئيساً لجمعية الشبان المسلمين بدمنهور، كما كان - بعد تقاعده - مستشاراً دينياً لمحافظها
الإنتاج الشعري: له ديوان من جزأين بعنوان: «البديويات» المطبعة اليوسفية - طنطا 1950، وله قصائد لم يتضمنها الديوان بجزأيه جمعها ونشرها: محمد علي داود في كتابه:«الشكل والمضمون في شعر الشيخ إبراهيم علي بديوي» - مطبعة الأمانة - القاهرة 1991 غلب تكوينه الثقافي الديني على تجاربه الشعرية، وهو صاحب القصيدة التي يبتهل فيها إلى الله، وتقدمها فرق الإنشاد الديني على أنها موشح ألقى وهو طالب بكلية اللغة العربية - قصيدة أمام الملك فؤاد عند افتتاحه الكلية، وفيما يتجاوز المحور الديني فإن المناسبات الوطنية والذاتية هي الموجه لقصائده في الغالب
بك أستجير ومن يجير سواكا *** فأجر ضعيفا يحتمي بحماكا إني ضعيف أستعين على قوى *** ذنبي ومعصيتي ببعض قواكا أذنبت ياربي وآذتني ذنو ***بٌ مالها من غافر إلا كا دنياي غرتني وعفوك غرني *** ماحيلتي في هذه أو ذاكا لو أن قلبي شك لم يك مؤمنا *** بكريم عفوك ما غوى وعصاكا
يا مدرك الأبصار ، والأبصار لا *** تدري له ولكنهه إدراكا أتراك عين والعيون لها مدى *** ما جاوزته ، ولا مدى لمداكا إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين علاكا
يامنبت الأزهار عاطرة الشذا *** هذا الشذا الفواح نفح شذاكا يامجري الأنهار : ماجريانها *** إلا انفعالة قطرة لنداكا
رباه هاأنذا خلصت من الهوى *** واستقبل القلب الخلي هواكا وتركت أنسي بالحياة ولهوها *** ولقيت كل الأنس في نجواكا ونسيت حبي واعتزلت أحبتي *** ونسيت نفسي خوف أن أنساكا ذقت الهوى مراً ولم أذق الهوى *** يارب حلواً قبل أن أهواكا أنا كنت ياربي أسير غشاوة *** رانت على قلبي فضل سناكا واليوم ياربي مسحت غشاوتي *** وبدأت بالقلب البصير أراكا
ياغافر الذنب العظيم وقابلا *** للتوب: قلب تائب ناجاكا أترده وترد صادق توبتي *** حاشاك ترفض تائبا حاشاكا يارب جئتك نادماً أبكي على *** ما قدمته يداي لا أتباكى أخشى من العرض الرهيب عليك يا *** ربي وأخشى منك إذ ألقاكا
يارب عدت إلى رحابك تائباً *** مستسلما مستمسكاً بعراكا مالي وما للأغنياء وأنت يا *** ربي الغني ولا يحد غناكا مالي وما للأقوياء وأنت يا *** ربي ورب الناس ما أقواكا مالي وأبواب الملوك وأنت من *** خلق الملوك وقسم الأملاكا إني أويت لكل مأوى في الحيا *** ة فما رأيت أعز من مأواكا وتلمست نفسي السبيل إلى النجا *** ة فلم تجد منجى سوى منجاكا وبحثت عن سر السعادة جاهداً *** فوجدت هذا السر في تقواكا فليرض عني الناس أو فليسخطوا *** أنا لم أعد أسعى لغير رضاكا أدعوك ياربي لتغفر حوبتي *** وتعينني وتمدني بهداكا فاقبل دعائي واستجب لرجاوتي *** ماخاب يوما من دعا ورجاكا
يارب هذا العصر ألحد عندما *** سخرت ياربي له دنياكا علمته من علمك النوويَّ ما *** علمته فإذا به عاداكا ما كاد يطلق للعلا صاروخه *** حتى أشاح بوجهه وقلاكا واغتر حتى ظن أن الكون في*** يمنى بني الانسان لا يمناكا أو ما درى الانسان أن جميع ما *** وصلت إليه يداه من نعماكا؟ لو شئت يا ربي هوى صاروخه *** أو لو أردت لما استطاع حراكا
يأيها الانسان مهلا واتئد *** واشكر لربك فضل ما أولاكا واسجد لمولاك القدير فإنما *** مستحدثات العلم من مولاكا الله مازك دون سائر خلقه *** وبنعمة العقل البصير حباكا أفإن هداك بعلمه لعجيبة *** تزور عنه وينثني عطفاكا إن النواة ولكترنات التي *** تجري يراها الله حين يراكا ماكنت تقوى أن تفتت ذرة *** منهن لولا الله قد سواكا كل العجائب صنعة العقل الذي *** هو صنعة الله الذي سواكا والعقل ليس بمدرك شيئا اذا *** ما اللهُ لم يكتب له الإدراكا
لله في الآفاق آيات لعل *** ل أقلها هو ما إليه هداكا ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناكا والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** يا (دارس الأمراض) : من أرداكا؟ قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب : من عافاكا؟ قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟ قل للبصير وكان يحذر حفرة ***فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟ بل سائل الأعمى خطا بين الزِّحا *** م بلا اصطدام : من يقود خطاكا؟ قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى : ما الذي يرعاكا؟ قل للوليد بكى وأجهش بالبكا *** ء لدى الولادة : ما الذي أبكاكا؟ وإذا ترى الثعبان ينفث سمه *** فاسأله : من ذا بالسموم حشاكا؟ واسأله كيف تعيش يا ثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟ واسأل بطون النحل كيف تقاطرت ***شهداً وقل للشهد من حلاَّكا؟ بل سائل اللبن المصفى كان بيـْ *** ن دم وفرث ما الذي صفاكا؟ وإذا رأيت الحي يخرج من حنا *** يا ميت فاسأله: من أحياكا؟ وإذا ترى ابن السودِ أبيضَ ناصعاً *** فاسأله : مِنْ أين البياضُ أتاكا؟ وإذا ترى ابن البيضِ أسودَ فاحماً *** فاسأله: منْ ذا بالسواد طلاكا؟ قل للنبات يجف بعد تعهد *** ورعاية : من بالجفاف رماكا؟ وإذا رأيت النبت في الصحراء ير *** بو وحده فاسأله : من أرباكا؟ وإذا رأيت البدر يسري ناشرا *** أنواره فاسأله : من أسراكا؟ واسأل شعاع الشمس يدنو وهي أبـْ *** عد كلّ شيء ما الذي أدناكا؟ قل للمرير من الثمار من الذي *** بالمر من دون الثمار غذاكا؟ وإذا رأيت النخل مشقوق النوى *** فاسأله : من يا نخل شق نواكا؟ وإذا رأيت النار شب لهيبها *** فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟ وإذا ترى الجبل الأشم مناطحاً *** قمم السحاب فسله من أرساكا؟ وإذا رأيت النهر بالعذب الزلا *** ل جرى فسله : من الذي أجراكا؟ وإذا رأيت البحر بالملح الأجا *** ج طغى فسله : من الذي أطغاكا؟ وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله : من يا ليل حاك دجاكا؟ وإذا رأيت الصبح يُسفر ضاحياً *** فاسأله : من يا صبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائب طالما أخذت بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا والله في كل العجائب ماثل *** إن لم تكن لتراه فهو يراكا
يا أيها الإنسان مهلا ما الذي *** بالله جل جلاله أغراكا؟ حاذر إذا تغزو الفضاء فربما *** ثأر الفضاء لنفسه فغزاكا أغز الفضاء ولا تكن مستعمراً *** أو مستغلا باغيا سفاكا إياك أن ترقى بالاستعمار في *** حرم السموات العلا إياكا! إن السموات العلا حرم طهو *** ر يحرق المستعمر الأفاكا أغز الفضاء ودع كواكبه سوا *** بح إن في تعواقهن هلاكا! إن الكواكب سوف يفسد أمرها *** وتسيء عقباها إلى عقباكا ولسوف تعلم أن في هذا قيا *** م الساعة الكبرى هنا وهناكا
أنا لا أثبط من جهود العلم أو *** أنا في طريقك أغرس الأشواكا لكنني لك ناصح فالعلم إن *** أخطأت في تسخيره أفناكا سخر نشاط العلم في حقل الرخا *** ء يصغ من الذهب النضار ثراكا سخره يملأ بالسلام وبالتعا *** ون عالماً متناحراً سفاكا وادفع به شر الحياة وسوءها *** وامسح بنعمى نوره بؤساكا العلم إحياء وإنشاء وليـْ *** س العلم تدميراً ولا إهلاكا فإذا أردت العلم منحرفاً فما *** أشقى الحياة به وما اشقاكا
عدلت 6 مرة. آخر تعديل لها في 15/12/11 22:26 من طرف TheMoroccan.