أثارت تصريحات حديثة لرئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، المغربي أحمد الريسوني، ردود فعل غاضبة في الجزائر وموريتانيا، وتعدى الأمر الرد عبر وسائل الإعلام، إلى إصدار أحزاب سياسية في البلدين بلاغات منددة.
وقال أحمد الريسوني "أنا شخصيا على فكر علال الفاسي، حتى وجود موريتانيا غلط فضلا عن الصحراء المغرب يجب أن يعود كما كان قبل الغزو الأوروبي"، وأَضاف أن "نحن نثبت مغربية الصحراء ببيعة أهلها للعرش الملكي المغربي، ولكن علماء ما يسمى الآن موريتانيا، أو بلاد شنقيط أيضا بيعتهم ثابتة".
وواصل "إذن قضية الصحراء وقضية موريتانيا صناعة استعمارية، قضية موريتانيا اعترف بها المغرب وعلى كل حال تركت للتاريخ لكي يقول كلمته في المستقبل، مشكلة الصحراء صناعة استعمارية" وعبر عن أسفه لـ"تورط" دول شقيقة ودول عربية إسلامية في دعم بل وتبني هذه الصناعة الاستعمارية.
كما تأسف لمعالجة قضية الصحراء بمعزل عن الشعب، هو ما جعل بعض المسؤولين بحسبه "يتوهمون أن إسرائيل تنفعنا..، الشعب 35 مليون مستعد أن يجاهد بمالة وبنفسه وبأن يتعبأ كما تعبأ في المسيرة الخضراء، وأن يقطع آمال الذين يفكرون في فصل الصحراء، وفي خلق أي مشكل للمغرب".
وواصل "المغرب مستعد إذا دعا جلالة الملك إلى مسيرة، بالملايين إذا دعا للجهاد بأي شكل، إذا دعا للجهاد بالمال نحن مستعدون، علماء المغرب ودعاة المغرب مستعدون أن يقيموا بالأسابيع والشعور في الصحراء وبتندوف، نحن لا نقيم مسيرة إلى العيون بل مسيرة إلى تندوف".
غضب موريتاني
في موريتانيا أصدر حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي، المعروف اختصارا بـ"تواصل"، بيانا عبر فيه عن استهجانه لـ"تصريحات الشيخ أحمد عبد السلام الريسوني، المتعلقة بموريتانيا، ودعاه لسحبها فورا والاعتذار عنها بشكل صريح".
ودعا الحزب "مختلف القوى السياسية المغربية بالامتناع عن تكرار ما وصفها بالتصريحات المستفزة لكل الموريتانيين لما فيها من طعن في أعز ما نملك وجودنا واستقلالنا الوطني".
ووصف التصريحات بأنها "غير لائقة"، وحملت "أحكاما إطلاقية بعيدة من الدقة، ومعلومات غير مؤسسة، وإساءة غير مناسبة ولا مقبولة للجمهورية الإسلامية الموريتانية وأهلها".
من جانبها أصدرت هيئة العلماء الموريتانيين بيانا وصفت فيه تصريح أحمد الريسوني، بشأن موريتانيا بأنه مريب وغير ودي ومستفزـ وقالت إن موريتانيا لم تخضع منذ القرن الخامس الهجري لحكم دولة إسلامية غير دولة المرابطين التي نشأت في موريتانيا وخضعت لها بعض دول الجوار ووصل ملكها للأندلس.
ونبه البيان إلى أن "هذه الدعوات التي نسمع لا علاقة لها بوحدة الصف الإسلامي إذ لو كان الأمر كذلك لطالب أصحاب هذه الدعوات بتبعية الدول الإسلامية لإحدى مراكز الخلافة الإسلامية".
وقال البيان إن بيعة بعض الأفراد إن ثبتت فهي أمر فردي يصنف في إطاره ولا يتجاوز في أقصى حالاته ما هو معروف عندنا في الوقت الحالي بازدواجية الجنسية ولا يعتبر دليلا على التبعية.
من جهته أصدر الفريق البرلماني للصداقة الموريتانية المغربية، بيانا قال فيه إن الريسوني "تنكر لأبسط قيم الأخوة والجوار وابجديات الدبلوماسية وخطاب المهابة والوقار الذي يجمع ولا يفرق وينتظر من أمثاله"، ووصف هذا التصريح بأنه "خارج عن سياق الاحترام وتوطيد العلاقات بين البلدين شعبيا ورسميا".
غضب جزائري
وفي الجزائر، أصدرت عدة أحزاب سياسية بلاغات نددت فيها بتصريحات الريسوني، وقالت حركة مجتمع السلم أكبر الأحزاب الإسلامية في البلاد، إنها "تابعت بكل استغراب ودهشة الخرجة الإعلامية للدكتور أحمد الريسوني"، ووصفت التصريحات بـ"السقطة الخطيرة والمدوية من عالمٍ من علماء المسلمين، يفترض فيه الاحتكام إلى الموازين الشرعية والقيم الإسلامية، لا أن يدعو إلى الفتنة والاقتتال بين المسلمين، وفق ما سماه الجهاد بالمال والنفس".
كما أعلنت عن تحفظها على "الشخص بعينه في استغلال منصبه في الهيئة العلمائية العالمية التي يترأسها، والتي يبدو أنه سيحوِّلها إلى ساحة للفتنة والاحتراب بين المسلمين"، وفق البيان.
من جانبه قال حزب حركة البناء الوطني المشارك في الحكومة، إنها تلقى "بكثير من الاستياء التصريحات المثيرة للفتن بين الشعوب التي صدرت عن الريسوني وصدمت مشاعر الجزائريين وشعوب المنطقة المغاربية كالموريتانيين والصحراويين، بخطابه المتعالي، وأسلوبه الاستهتاري المثير وغير المسؤول، والمتطاول على سيادة الدول وكرامة شعوبها، لاسيما عندما يوظف مصطلح الجهاد للدخول إلى أراض جزائرية بولاية تندوف حررها شهداء ثورة المليون ونصف المليون بدمائهم الزكية، وعدم اعترافه بسيادة دولة موريتانيا".
وتابعت الحركة أنه "أصبح يقينا لدينا أن ترؤس مثل هذه الشخصية لهذه الهيئة سوف يضرب بمصداقيتها عندنا، وعليه ينبغي لعلمائنا أن يُبعدوا عن مؤسستهم مثل هذه الشخصيات التي لا تقدر معنى الكلمة ولا مسؤوليتها في إثارة الفتن".
بدوره ندد حزب جبهة التحرير الوطني، أكبر أحزاب البلاد، في بيان له، بتصريحات الريسوني ووصفها بالخطيرة، وعبر "عن استنكاره لتحول الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين إلى أداة سياسية في أيدي دول تستعمله من أجل تجسيد دورها ضمن استراتيجيات دولية".
وتابع الحزب أن هذه التصريحات "لا تأتي إلا من حاقد جهول، متنكر لقيم الاسلام ومتجاوز لطموحات الأمة، ومستغل لمنصبه في الدعوة للفتنة والاقتتال بين المسلمين والاستعداء على سيادة دول وكرامة شعوبها، وهو ما يطرح السؤال عن هذا الانحراف الخطير في دور الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين".
ودعا حزب جبهة التحرير الوطني، العلماء الجزائريين الأعضاء في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين لأن "يتخذوا الموقف اللازم، الذي يكون في مستوى خطورة تصريحات الريسوني".
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يوضح
وأمام الجدل الكبير الذي أثارته تصريحات الريسوني، أصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين توضيحا، قال فيه "إن دستور الاتحاد العالمي لعلماء ينص على أن الرأي الذي يسند إلى الاتحاد هو الرأي الذي يتم التوافق، والتوقيع عليه من الرئيس والأمين العام بعد المشورة، ثم يصدر باسم الاتحاد".
وأضاف أنه "بناء على هذا المبدأ فإن المقابلات أو المقالات لسماحة الرئيس، أو الأمين العام تعبر عن رأي قائلها فقط، ولا تعبر بالضرورة عن رأي الاتحاد".
وزاد قائلا إن "ما تفضل به فضيلة العلامة الريسوني في هذه المقابلة أو في غيرها حول الصحراء هذا رأيه الخاص قبل الرئاسة، وله الحق في أن يعبر عن رأيه الشخصي مع كامل الاحترام والتقدير له ولغيره، ولكنه ليس رأي الاتحاد".