القائمة

أخبار

أفواه مكبّلة.. قيود على حرية التعبير للأقليات الدينية في المغرب

يشتكي منتسبو الأقليات الدينية في المغرب من وجود قيود على حريتهم في التعبير عن معتقداتهم وآرائهم، سواء من قبل الجهات الرسمية، أو بسبب الضغوط الاجتماعية .

نشر
صورة تعبيرية
مدة القراءة: 7'

تعد حرية التعبير حقا أساسيا من حقوق الإنسان، يجب أن يتمتع به جميع الأفراد بغض النظر عن معتقداتهم الدينية، ويسمح هذا الحق للأقليات الدينية بالتعبير عن آرائها وممارسة شعائرها الدينية دون خوف من التمييز أو المضايقات.

ينص الدستور المغربي على أن هذا الحق مكفول للجميع، ومع ذلك تواجه الأقليات الدينية تحديات خاصة في ممارسته، إذ أنه بالرغم من عدم وجود قيود صريحة تمنعه، إلا أنه يمكن أن يتم استخدام بعض القوانين بشكل انتقائي للتضييق على أصحاب المعتقدات المخالفة.

ويعتبر الحصول على إحصائيات دقيقة لمنتسبي الأقليات الدينية في المغرب، أمرا صعبا، لذلك تعتبر تقارير الخارجية الأمريكية السنوية عن الحريات الدينية في العالم، من المصادر القليلة التي تقدم إحصائيات تقريبية. وفي آخر تقرير سنوي لها أشارت إلى أن 99% من المغاربة هم من المسلمين السنة، وأقل من 0.1% من السكان هم من المسلمين الشيعة. وتشمل المجموعات التي تشكل مجتمعة أقل من 1 في المائة المسيحيين، واليهود، والبهائيين، والأحمديين.

والمسلمون السنة واليهود (حوالي 3500 يهودي معظمهم يعيشون في الدار البيضاء) هم الجماعات الدينية الوحيدة المعترف بها في الدستور المغربي.

حرية التعبير لدى الشيعة المغاربة.. قيود وضغوط

يتحدث زعماء الشيعة في المغرب حسب تقرير الخارجية الأمريكية عن وجود عدة آلاف من المواطنين المغاربة الذين يعتنقون المذهب الشيعي معظمهم في مدن الشمال، بالإضافة إلى ما يقدر بنحو 1000 إلى 2000 شيعي مقيم أجنبي من لبنان وسوريا والعراق.

وسبق للشيعة المغاربة أن حاولوا سنة 2016 تأسيس جمعية تحت اسم "رساليون تقدميون" غير أن السلطات الادارية في مدينة تطوان امتنعت عن استلام ملف التصريح بتأسيس الجمعية، وبعدها بأشهر اعتقل رئيس الجمعية غير المعترف بها وأدين بسنة سجنا نافذا، بتهمة "اختلاس أموال عمومية" من مؤسسة بنكية، فيما يقول أعضاء الجمعية إن محاكمته كانت بسبب مواقفه وآرائه.

وبعد ذلك اقتصر ظهور الشيعة المغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، من خلال صفحات ومجموعات مغلقة مخصصة لمناقشة أفكارهم وتوجهاتهم.

وفي تصريح خصنا به شيعي مغربي طلب عدم ذكر اسمه، قال إنه "فيما يخص حرية التعبير، هناك قيود وضغوط، إذا تعلق الأمر بالمس او التشكيك او المزاحمة على الأسس المؤسسة لشرعية الدولة، فعندئذ تجد المخزن/الدولة بالمرصاد"، وتابع "أما المجتمع بحكم التجهيل والتضليل الممارس عليه، فإنه دائما ينتفض ضد أي فكر او توجه، ولو كان في صالحه، فقط لان الإعلام الموجه انتقص منه".

موكب شيعي مغربي في كربلاء بالعراق

وتابع حديثه قائلا، إن المسلم الشيعي المغربي لا يستطيع التعبير بحرية عن أفكاره ومناقشتها، وأضاف "الضغط يأتي من المجتمع قبل الدولة، بحكم التجهيل والتضليل، والتجييش الذي يمارسه تيار التوجه السلفي، الذي يعتبر الشيعي خطرا على المجتمع".

المسيحيون المغاربة.. حرية التعبير مصادرة

وعلى غرار الشيعة وباقي الأقليات، لا توجد إحصائيات دقيقة لعدد المغاربة الذين اعتنقوا الدين المسيحي، غير أن بعض قادة المجتمع المسيحي يقدر بحسب تقرير الخارجية الأمريكية وجود ما بين 1500 و12000 مواطن مسيحي موزعين في جميع أنحاء البلاد. فيما تقدر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وهي أكبر جمعية حقوقية بالبلاد، وجود 25 ألف مواطن مسيحي.

وتؤكد منظمة "الأبواب المفتوحة" غير الحكومية المختصة في الدفاع عن "المسيحيين المضطهدين" والتي يوجد مقرها بهولندا، أن عدد المسيحيين في المغرب يبلغ 31,200 أي حوالي 0.1% من مجموع سكان البلاد، وتقول إنهم يعانون من الاضطهاد.

وتشير إلى أنهم يجتمعون في "الكنائس المنزلية لأنهم لا يستطيعون الحصول على إذن واعتراف رسمي بالتجمع في الأماكن العامة".

وفي تصريح لنا، قال مصطفى السوسي وهو مسيحي مغربي "في مجتمعنا التعبير عن رأيك صعب جدا خصوصا إذا كان مختلفا عما هو سائد"، وواصل "حرية التعبير داخل المجتمع الذي أغلبيته مسلمة ولا تفهم معنى الحرية الفردية وحرية العقيدة بصفة عامة، أمر صعب".

مسيحيون مغاربة يجتمعون في بيتهم

وبحسبه فإن المجتمع منقسم إلى ثلاث فئات: "الفئة الأولى منغلقة ولا تقبل الحوار والرأي المخالف، فبمجرد الحديث عن شيء يناقض عقيدتها فإنك تعتبر عدوا وفي نظرها، فأنت مرتد أو أنت تهرطق وهذه الفئة تمثل الأغلبية الساحقة في المجتمع".

أما الفئة الثانية بحسبه "فهم المثقفون الذين يستمعون إليك ويقبلونك ولكن لا يعقبون وهم أقلية، هؤلاء على الأقل يفتحون باب الحوار ويستمعون إليك"، ويضيف أن الفئة الثالثة "وهي قليلة جدا وهي الفئة المتفتحة المتنورة التي ليس لديها إشكال ويحترمون أفكارك وعقيدتك كفرد".

وإلى جانب المجتمع يواجه المسيحيون المغاربة ضغوطات من قبل السلطات حسب السوسي، الذي تحدث عن وجود "قوانين، تحد من حرية التعبير بالنسبة للأقليات، ونطالب بتغييرها"، وعلى غرار المجتمع قسم السلطات إلى فئتين، وقال "الأولى تطبق القانون وتترك لك حريتك، وهذا النوع لا إشكال معه"، والثانية "تجتهد وتعتبر نفسها هي القانون وتفرض عليك ما تريد وما تؤمن به رغم اختلاف ذلك مع القانون، وهذا الطرف نعاني معه".

البهائيون.. الجهل بالآخر أكبر حاجز أمام اتساع هامش حرية التعبير

يشير تقرير الخارجية الأمريكية إلى أن عدد أفراد الدين البهائي يقدر بما بين 350 إلى 400 عضو في جميع أنحاء البلاد.

الكتاب الأقدس للبهائيين

وفي حديثه معنا قال ياسين بكير، عضو مكتب الاتصال للبهائيين في المغرب إن "تطور المجتمع المغربي، وخاصة الجيل الجديد، وانفتاحه على العالم الرقمي وعلى التنوع الفكري والديني، ساهم في اتّساع رقعة مشاركة البهائيين والتعبير عن معتقدهم".

وواصل "بطبيعة الحال، لا زالت هناك بعض الأطراف التي لا تقبل هذا التنوع ولا تقبل بظهور ومشاركة البهائيين لمعتقداتهم، ولكن نعتبر هذا الأمر هو الاستثناء وليس القاعدة"، وأضاف "كما أن هناك مفارقة مهمة، بين التعليقات السلبية على الفضاء الرقمي، حيث تبرز بعض مظاهر عدم القبول بحرية تعبير البهائيين، إلا أن مصادرة هذا الحق تكون أقل حدّة في الحياة اليومية والواقعية، وخاصة مع الناس الذين نتفاعل معهم في شتى المجالات، والذين تكون لهم في أغلب الأوقات مواقف إيجابية".

وأضاف "حسب تجربتنا، إن أكبر حاجز لاتساع هامش حرية التعبير والتعايش هو عدم معرفة الآخر وجهل مبادئه ورؤيته للعالم".

وواصل "التحدي الحالي، هو عدم الاعتراف القانوني، الذي يخلق تحديات للبهائيين المغاربة فيما يخصّ منظومة الأحوال الشخصية، التي لا تستوعب التنوع الديني الموجود في المغرب". وواصل "كما أن عدم وجود إطار قانوني لتنظيم أنشطة البهائيين المغاربة يخلق عراقيل تنظيمية وقانونية، والتي يمكن اعتبارها كعدم اعتراف بحقوق مواطنين مغاربة لهم اختيارات دينية مختلفة عن الأغلبية".

وأكد أن "هذا الشقّ القانوني، هو التحدي الأساسي الذي لازال على بلدنا إحراز تقدّم فيه لإرساء لبنات المواطنة الكاملة والشاملة في ظلّ دولة مغربية مدنية حديثة تستوعب التنوّع والاختلاف في إطار ثوابت الأمّة التي نحن بأنفسنا نحترمها ونقدّرها". وتابع "كما لا يخفى عليكم تواجد طبقة محافظة لها فهم ديني معين، لازالت لا تقبل تواجد البهائيين، بل تجهد جاهدة في شيطنتهم وإلصاق تهم ومعلومات زائفة بهم، وهذا من بعض التمثلات التي قد تضرّ بحرية التعبير، حيث أن من اللازم التفريق بين حرية التعبير عن وجهات النظر والتي يجب أن تكفل للجميع من جهة، وبين التجريح والقذف والإقصاء والشيطنة ونشر الإشاعات بمكوّن ديني معيّن من جهة أخرى".

وتجمع الأقليات الدينية في المغرب، على أن المشكل الأكبر الذي تعاني منه هو رفض الاعتراف الرسمي من قبل مؤسسات الدولة، وهو ما يترتب عليه الحرمان من مجموعة من الحقوق الدستورية الأساسية أبرزها حريات الدين والمعتقد والرأي والتعبير.

حرية تعبير انتقائية

ويرى الباحث في علم الاجتماع محمد اكديد، أن "المجتمع المغربي تسود فيه عقلية تقليدية محافظة، كما أن مواقف الفقهاء التقليديين متحفظة جدا وإقصائية إزاء الأقليات الدينية، وهو ما يتضح من خلال مجموعة من المواقف والتفاسير والفتاوى".

وأكد أن النظر إلى أي فرد له قناعات دينية مختلفة بأنه مرتد وبأن لا حق له في التعبير، هو الذي كان سببا في "إشعال الفتنة الطائفية في الشرق الأوسط والتي شارك فيها لأسف مغاربة".

وانتقد عدم "وجود سياسات إعلامية وتحسيسية بالتنوع الثقافي"، وواصل "هذه الأمور محدودة جدا في البرامج التعليمية وفي الإعلام وفي فضاءات النقاش العام"، وأكد أنه على "الدولة أن تقوم بدورها في التحسيس بالتعايش. هي تقوم بهذا الأمر بطريقة انتقائية، اتجاه اليهود فقط، وكأن اليهود هم الذين لهم الحق في التعبير دون باقي الأقليات".

وتحدث أكديد أيضا عن وجود "سياسة تتمثل في الإقصاء من تأسيس الجمعيات، حيث ترفض الدولة منح وصولات التأسيس للجمعيات التي تريد أن تنشط في إطار معين، كما تمنع منتسبي الأقليات من الممارسة الدينية بشكل علني، وهو ما يدفعهم لتنظيم مناسباتهم في منازلهم".

وأشار أيضا إلى " إشكالية منع الكتب المسيحية والشيعية من التداول"، وأنهى حديثه قائلا "أمامنا مجهود كبير وجبار لكي يصل المغرب لمستوى التعايش والانفتاح، وتليين المواقف الاقصائية والمتطرفة ضد الأقليات الدينية".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال