القائمة

أخبار

دياسبو #388: حنان السنوسي.. رائدة في عالم التكنولوجيا تسهم في بناء جيل رقمي واعد بالمغرب

مَن قال إن الابتكار محصور في مختبرات الغرب فقط؟ حنان السنوسي، ابنة طنجة التي نشأت بين الصويرة وأكادير، أثبتت أن الابتكار يمكن أن ينشأ من الشرق أيضا. لم يكن الطريق سهلا للمرأة التي قررت أن تخوض غمار التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي في مجتمع يهيمن عليه الذكور. لكنها، وفي كل خطوة، كانت تثبت للعالم أن الإبداع ليس حكرا على أحد.

نشر
حنان السنوسي
مدة القراءة: 5'

حينما تبدأ حنان السنوسي في الحديث عن مسيرتها، تظهر صورة المرأة التي تعلمت كيف تتحدى الصعاب وتكسر الحواجز بإصرار. وقد لا يكون هذا غريبا، فقد نشأت في أسرة غنية بالفكر والإبداع. والدها، الفنان التشكيلي والأستاذ، غرس فيها حب الفنون والتفكير النقدي، بينما كانت والدتها، بحركات يدها الصامتة وهي تخيط حتى الفجر، تقدم لها مثالا حيا على الالتزام والصبر الذي لا يعرف الكلل.

"نشأت حنان بين طنجة والصويرة وأكادير، وكانت طفلة شغوفة بالصمت، تقرأ كثيرا وتراقب أكثر. وتسترجع حنان تلك اللحظات خلال حديثها مع يابلادي قائلة "أتذكر المغرب دائم النشاط، صامدا، ملهما ومنفتحا! غروب الشمس على الشاطئ، والكتب التي كنت أقرؤها سرا في الليل، شكلت أحلامي وروحي التواقة، والمتمردة قليلا" تقول بنبرة حنين.

"باختصار، يمكنني القول إن طفولتي كانت مدرسة للمشاعر القوية، وغالبا المتناقضة بين "الحاجة" إلى رؤية أبعد وتعلم المزيد... والرغبة في البقاء حيث كنت، ضمن هذا التوازن"

حنان السنوسي

لكن حنان اختارت أن تتحدى نفسها وتخرج من منطقة الراحة لتكسر رغبتها في البقاء في الظل. ففي سن الـ18، التحقت بالسنة التحضيرية للفنون الجميلة في فرنسا، ثم حولت مسارها نحو العلوم السياسية في Sciences Po Milan. وبعدها، اختارت مسارا مستقلا في مجال تكنولوجيا المعلومات، لتتوج هذا المسار بشهادة في قيادة الطائرات بدون طيار في فرنسا. وأوضحت قائلة "لطالما كنت في مفترق طرق بين التكنولوجيا، الفن والمجتمع".

الابتكار في عالم يهيمن عليه الذكور

ريادة الأعمال التكنولوجية، وبالخصوص في مجال "الهاردوير"، "الأكثر ذكورية حتى من مجال البرمجيات" كما وصفته، فرض نفسه على الشابة المغربية كخيار بديهي: فضاء يمكنها من الابتكار، وطرح أسئلة، "وأربط بين حدسي والدقة العلمية".

كان الدافع أيضا رغبتها في رؤية تنوع أكبر في هذا القطاع. وقالت "نتحدث كثيرا عن الابتكار، لكن الشخصيات فيه غالبا ما تكون متماثلة. والنساء، رغم أن عددهن في تزايد، ما زلن يواجهن الكثير من الحواجز غير المرئية".

في عام 2022، أسست رائدة الأعمال في مجال التكنولوجيا، شركتها Vimersio، وهي شركة ناشئة تدمج بين الأجهزة الذكية (Hardware) والذكاء الاصطناعي بهدف أتمتة عملية تسجيل الفيديو—وهو تحد طموح، خاصة كامرأة تعمل بمفردها في مجال لا يزال يهيمن عليه الذكور.

وصلت إلى تسويق منتجها حتى قبل إطلاق النسخة الأولية، ولكن النجاح لم يكن كاملا. إذ أن خلافا مع أحد المساهمين دفعها إلى اتخاذ قرار قاس: التوقف.

بعد تلك التجربة، توجهت إلى التعليم، حيث أطلقت هاكاثون مدرسي مستوحى من Station F، و"Quest-For-Change" وكان هدفها بسيطا: زرع بذور الابتكار في عقول التلاميذ، وفتح أعينهم على واقع مهني رقمي في طور التشكل.

"أكبر صعوبة واجهتها في هذا المجال؟ أن تقنعي في عالم تسيطر عليه الأحكام المسبقة: امرأة بمفردها، بمشروع غير تقليدي، غالبا ما عليها أن تتحدث بصوت أعلى لتسمع. أما أعظم نجاحاتي، فهي ليست في رقم معاملات أو جوائز، بل في كوني صمدت، وحوّلت صدماتي إلى قوة هادئة: أن أواصل البناء بتناسق وثبات"

حنان السنوسي

تعيش حنان بين ثلاث هويات: مغربية، فرنسية وإيطالية، وهي تصف نفسها بأنها امرأة تفكر في الجسور، لا في الجدران، "هذا التنوع هو محركي وهذا الانتماء المزدوج الأورو-مغربي هو ميزة كبيرة لتصميم مشاريع تتحدث إلى ضفتي المتوسط معا" تحكي حنان باعتزاز.

العودة إلى الوطن: بناء جيل رقمي في المغرب

أحد المحطات المفصلية في حياتها المهنية كانت سنة 2010 حين اشتغلت إلى جانب وزير الخوصصة الأسبق الراحل عبد الرحمان السعيدي (توفي عام 2020)، الذي منحها ثقة نادرة وهي في سن صغيرة. "منحني ثقته وأسند إلي إدارة معرضه الفني ودار المزادات، في الدار البيضاء، وقد شغلت منصب المسؤولة الإدارية والتجارية لمدة عام".

لكن في تلك المرحلة من حياتها، كان نداء أوروبا أقوى بالنسبة لها كامرأة شابة، فقررت المغادرة مجددًا، 'محمولة بما أهدتني إياها تلك التجربة'. ومع ذلك، لم يدم ذلك طويلاً، ففي نهاية المطاف، وبعد قضائها 23 عاما في أوروبا، وقع اختيارها على بلدها الأم: المغرب.

حنان اليوم مسؤولة عن مختبر رقمي (Fablab) تابع لمؤسسة MlfMonde في الدار البيضاء، وتدرس العلوم الرقمية لأجيال صاعدة من التلاميذ. "منذ عودتي إلى المغرب، وبفضل دعم مديرة مؤسستنا، أطلقت أول "هاكاثون" مخصص لتلاميذ الثانوي، مما يعكس إلهامي للشباب المغربي. أصبح نقل المعرفة أولوية بالنسبة لي، حيث أُدرس التقنيات والرقميات لشباب قد لا يدركون بعد أهمية مواضيع مثل الأمن السيبراني، الذكاء الاصطناعي، والبيانات. دوري هو إيقاظهم وإظهار لهم أن لهم مكانا في المستقبل. المغرب بحاجة لهذه المهن، والشباب بحاجة للاستعداد لها".

سنة 2024، تلقت تكريماً من شركة Orange بصفتها "رائدة أعمال"، ثم دعيت إلى البرلمان الأوروبي كمتحدثة في حدث مواطناتي كبير نظمته مؤسسة الابتكار من أجل الديمقراطية واختتمت رائدة الأعمال المغربية حديثها قائلة "قصتي في مكان رمزي مثل البرلمان الأوروبي... مسؤولية. قبلت هذا الشرف ليس لأبرز نفسي، بل لأحمل قصص الآخرين، ولأفتح الأبواب لنساء أخريات، ولمواهب شابة من إفريقيا. إنها رسالة للعالم تقول: 'لدينا حلول. لدينا صوت. استمعوا إلينا".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال