تتصاعد التساؤلات حول مدى استمرار سلطة إبراهيم غالي على رأس جبهة البوليساريو أكثر من أي وقت مضى. وفي الوقت الذي تستعد فيه الجبهة للاحتفال يوم السبت 10 ماي بالذكرى الثانية والخمسين لتأسيسها، اختارت مجموعة من الصحراويين هذا التاريخ الرمزي لإطلاق عريضة تطالب، بتنحي غالي عن القيادة.
ويتكون الموقعون على هذه العريضة من كوادر متوسطة المستوى ومنتقدين للخط السياسي الراهن، حيث يدعون إلى عقد "مؤتمر استثنائي" في أفق شتنبر 2025، يكون بمثابة محطة لعرض سياسات بديلة تُنقذ القضية الصحراوية مما وصفوه بالجمود والانغلاق.
ويشدد أصحاب المبادرة على أن عقد هذا المؤتمر يفترض أولًا "اعتماد قوانين تنظيمية مناسبة"، مع التأكيد على ضرورة إشراك كل من "يؤمن بمبادئ الجبهة الشعبية وتطلعات الشعب الصحراوي في التحرر والاستقلال، في مسار يعيد بناء المشروع من الداخل".
إرث بشير مصطفى السيد
العريضة، التي تُذكر من حيث الخطاب والمضامين بنداء بشير مصطفى السيد في يوليوز 2024، تدعو إلى "قطيعة جذرية مع السياسات والممارسات التي أوصلت المشروع الوطني إلى طريق مسدود"، وتقترح "أسسًا ثورية جديدة" تقوم على الديمقراطية، والحكم الراشد، ومبادئ الحوار والتسامح والمصالحة، مع رفض الإقصاء والتهميش.
كما تُبرز الوثيقة الحاجة إلى "قيادة كفؤة ومنسجمة"، تستجيب لتطلعات الصحراويين في الحرية والكرامة والعدالة والمساواة، مع التأكيد على ضرورة صياغة "استراتيجية واضحة وطموحة تُمكّن الأجيال القادمة من تحمّل مسؤولية استكمال مشروع التحرير".
العريضة تتقاطع أيضًا مع مضمون النداء الذي سبق أن وجهه بشير مصطفى السيد، أحد أبرز مؤسسي الجبهة، والذي طالب فيه بعقد مؤتمر استثنائي لإنقاذ البوليساريو من حالة التآكل التي تعرفها، منتقدًا بشدة حصيلة إبراهيم غالي منذ توليه القيادة في يوليوز 2016، وخصوصًا منذ قرار العودة إلى العمل المسلح في 13 نونبر 2020.
دينامية داخلية في لحظة إقليمية حساسة
ويأتي نشر هذه العريضة في سياق متوتر، بعد أيام قليلة من اللقاء الذي جمع بين الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون وإبراهيم غالي في 30 أبريل بالجزائر، وهو اللقاء الذي سبقه وواكبه حديث في الكواليس عن تزايد الضغوط لإعادة هيكلة القيادة.
كما يتزامن هذا الحراك مع عودة عبد القادر طالب عمر إلى مخيمات تندوف، بعد إنهاء مهامه كممثل للبوليساريو لدى الجزائر، المنصب الذي ظل، تقليديًا، بوابة نحو زعامة الجبهة، كما حدث مع غالي نفسه، الذي شغل المهمة ذاتها لثماني سنوات قبل انتخابه أمينًا عامًا. وفي خطوة لافتة، تم ترقية طالب عمر إلى عضوية المكتب الدائم للأمانة الوطنية للجبهة، كما تم تعيينه "وزيرًا للتعليم"، ما يؤشر على إمكانية تصعيده داخل هرم القيادة.
يُذكر أن المؤتمر العادي المقبل لجبهة البوليساريو من المرتقب أن يُعقد في يناير 2026، غير أن الضغوط الداخلية، والمبادرات المتزايدة للدعوة إلى تغيير جذري، قد تسرّع بعقد مؤتمر استثنائي يعيد رسم معالم المرحلة المقبلة.