القائمة

أخبار

الصحراء في وثائق المخابرات الأمريكية #34: انسحاب إسبانيا وزحف الجيش المغربي وفشل المناورات الجزائرية

تناولت المخابرات المركزية الأمريكية في عدة وثائق جلاء الاستعمار الاسباني من الصحراء بعد اتفاق مدريد الثلاثي، وتحرك المغرب السريع بنشر جيشه في الصحراء، مشيرة إلى مناورات الجزائر على الساحة الدولية بعد فشلها في دفع مدريد إلى ترك حكومة محلية في الصحراء تكون نواة لدولة جديدة في المنطقة.

نشر مدة القراءة: 7'
الحسن الثاني رفقة بعض قادة الجيش المغربي
الحسن الثاني رفقة بعض قادة الجيش المغربي

في بداية السبعينات بدأت مؤشرات قرب نهاية الاستعمار الإسباني للصحراء تظهر، خصوصا بعد مرض الجنرال فرانكو في إسبانيا وتقدمه في السن، وكذا اغتيال رجل وزرائه لويس كاريرو بلانكو الذي كان بمثابة يده اليمنى، على يد حركة "إيتا الباسكية" يوم 20 دجنبر من سنة 1973.

وكانت مدريد آنذاك تحاول التوصل إلى حل يرضي كلا من المغرب وموريتانيا والجزائر، بحسب ما تشير وثقة للمخابرات المركزية الأمريكية صادرة في 6 شتنبر 1974، رفعت عنها السرية في 20 دجنبر 2016، حيث جاء فيها أن انسحاب اسبانيا من الإقليم "قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار، بما في ذلك احتمال نشوب صراع مسلح".

وتشير الوثيقة إلى أن الملك الحسن الثاني "مقتنع بأن إسبانيا لن ترغب في البقاء لفترة طويلة باعتبارها القوة الاستعمارية الوحيدة المهمة في إفريقيا". وتابعت أنه عندما علم في أوائل يوليوز 1974 أن مدريد على وشك منح مزيد من الحكم الذاتي لإقليمها في الخارج، كانت ردة فعله حادة"، حيث أرسل "على الفور رسالة إلى الجنرال فرانكو يُحذر فيها من أن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى تدهور العلاقات".

ثم أكد في خطاب بعد ذلك "أنه لا يمكنه السماح بإقامة دولة عميلة في الصحراء، وألمح إلى أنه في حال فشل المناقشات، فسيتم اللجوء إلى وسائل أخرى"، ثم أطلق المغرب لاحقا حملة دبلوماسية واسعة النطاق للضغط على إسبانيا للتخلي عن خططها لمنح مزيد من الحكم الذاتي للصحراء.

ثم انخرط المغرب أيضًا حسب الوثيقة "في تهديدات عسكرية لتحقيق مكاسب في نزاعه مع إسبانيا"، حيث تشير إلى أنه منذ أواخر يوليوز، وضعت الرباط قواتها المسلحة في حالة تأهب مؤقت، وألغت جميع الإجازات، وعبأت بعض جنود الاحتياط. تم نشر ما يقرب من ربع القوات البرية المغربية في جنوب المغرب.

كما تم إرسال قوات إضافية بالقرب من جيبي سبتة ومليلية في الشمال "على الرغم من أن هذين الجيبين لم يكونا قضية في الجدل الحالي، يبدو أن الملك الحسن يريد تذكير مدريد بأن المدينتين معرضتان للخطر" بحسب الوثيقة.

مؤتمر يمهد لانسحاب اسبانيا

أمام هذا الوضع قررت إسبانيا الدعوة إلى مؤتمر دولي رباعي الأطراف يشارك فيه المغرب والجزائر وموريتانيا لمناقشة مستقبل الصحراء الإسبانية، حسب ما تشير إليه  وثيقة أخرى يعود تاريخها إلى 6 يونيو 1975، رفعت عنها السرية في 19 دجنبر 2016.

واعترض المغرب على مشاركة الجزائر في مفاوضات تسوية مسألة الإقليم، وتضيف الوثيقة "لكننا نعتقد أن المغرب سيعمل على منع انسحاب إسباني مبكر وهو احتمال طرحته مدريد في بيان صدر الشهر الماضي". ونقلت الوكالة الأمريكية عن مسؤول إسباني "بأنه إذا لم يُعقد مؤتمر بنجاح حتى تحت رعاية الأمم المتحدة، فإن إسبانيا "ستكون نظيفة الأيدي" لأنها ستكون قد بذلت جهدًا صادقًا للتوصل إلى حل بين الأطراف المعنية".

ذات المسؤول اكد استعداد إسبانيا "للنظر في أي حل ممكن - لا يستبعد الضم أو التقسيم - قد تقترحه الأطراف المعنية"، وأصر على أن مدريد "ليست ملتزمة بإنشاء دولة مستقلة أو التنازل عن السيادة لأي قوة سياسية صحراوية معينة".

وكان المغرب وموريتانيا يخشيان انسحابًا إسبانيًا متسرعًا قبل التفاوض على تسوية سياسية، بالمقابل كان الجزائريون "يرغبون في رؤية إسبانيا تنسحب تاركة حكومة قائمة في مكانها، ويفترض أن يقودها الحزب المؤيد للاستقلال في الصحراء الذي يعلنون دعمه علنًا".

وعلى غرار المغرب قبلت موريتانيا الجزائر كطرف مهتم، "لكنها تعطيها دورًا ثانويًا لأن الجزائر ليس لديها مطالب إقليمية. في أي مفاوضات، ستجادل نواكشوط بأن التقسيم هو الحل الوسط الأكثر قابلية للتطبيق"، ولم يعقد المؤتمر بسبب عدم اتفاق المغرب والجزائر وموريتانيا.

ومن أجل دعم حقوقه التاريخية في الإقليم، وإفشال المناورات الجزائرية والإسبانية تقدم المغرب بطلب إلى الأمين العام للأمم المتحدة وإلى الحكومة الإسبانية في 23 شتنبر من سنة 1974 لإحالة ملف الصحراء الغربية إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، لتبدي رأيا استشاريا في القضية.  وفي 16 أكتوبر 1975، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها بخصوص الصحراء الغربية حيث أقرت بوجود صلات اجتماعية وروحية وسياسية بين الإقليم وسكانه وبين المغرب وموريتانيا، وتأكيدها على أن الصحراء الغربية لم تكن أرضا خلاء قبل الاحتلال الإسباني، وأن العلاقات القائمة بين السكان المحليين والمغرب وموريتانيا لم ترق يوما إلى مستوى السيادة ولا يمكن أن تؤثر على حق سكان الإقليم في تقرير مصيرهم السياسي.

وفي اليوم ذاته الذي أعلنت فيه محكمة العدل الدولية عن قرارها، أعلن الملك الحسن الثاني في خطاب ألقاه عبر القناة الوطنية، عن تنظيم مسيرة خضراء باتجاه الصحراء . وفي السادس من شهر نونبر انطلقت المسيرة الخضراء بمشاركة حوالي 350 ألف متطوع، قاصدة الصحراء الغربية.

وبسبب الرغبة في الحفاظ على أكبر قدر ممكن من مصالحها في المنطقة، وافقت إسبانيا على الدخول في مفاوضات ثنائية مباشرة مع المغرب وموريتانيا، وبعد يومين من المفاوضات وقع الجانبان في 14 نونبر 1975 اتفاق مدريد، الذي نص على اقتسام الصحراء بين المغرب وموريتانيا، وتم منح موريتانيا منطقة وادي الذهب والمغرب منطقة الساقية الحمراء ومقابل ذلك احتفظت إسبانيا باستغلال الفوسفات من مناجم بوكراع كما احتفظت بقواعد عسكرية قبالة جزر الكناري.

إسبانيا تنسحب والجيش المغربي يتحرك

وثيقة أخرى صادرة في 20 نونبر 1975، رفعت عنها السرية في 21 دجنبر 2016، تؤكد أن إسبانيا "اتخذت أول خطوة رسمية في انسحابها المخطط له من الصحراء الإسبانية يوم 19 نونبر 1975، عندما وافق البرلمان الإسباني بأغلبية ساحقة على مشروع قانون "إنهاء الاستعمار" رسميًا في الإقليم".

وأبرزت الوثيقة ذاتها أن التفاصيل الكاملة للاتفاق الذي توصلت إليه إسبانيا والمغرب وموريتانيا الأسبوع الماضي لم تُكشف بعد، و"لكن خلال الأيام القليلة الماضية، أكد المسؤولون الإسبان سرًا أن "الانسحاب الإسباني لن يؤثر على سيادة المنطقة...، وأخبر وزير الخارجية كورتينا السفير ستابلر أن إسبانيا ستسلم إدارة البلاد ببساطة إلى المغرب وموريتانيا. وأكد أن مسألة السيادة هي مسألة يجب على الأمم المتحدة تناولها".

وأضاف مسؤول كبير آخر في وزارة الخارجية الإسبانية "أن الأمم المتحدة وحدها لديها سلطة تحديد استفتاء على تقرير المصير. ورأت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية أنه "من المرجح أن تنشر مدريد هذا التبرير لخروج إسبانيا المفاجئ حفاظًا على ماء الوجه ولتهدئة الانتقادات التي قد تُوجه إلى خوان كارلوس لدوره في التسوية".

وأشارت وثيقة أخرى صادرة في 5 دجنبر 1975، رفعت عنها السرية في 15 دجنبر 2016، إلى أن المغرب تحرك "بسرعة لتعزيز موطئ قدمه في الصحراء الإسبانية. سافر عدد كبير من المسؤولين المغاربة إلى العاصمة الإقليمية العيون للمشاركة في الإدارة الجديدة- الخدمات البريدية، والاتصالات الجوية، وقد تم إنشاء روابط هاتفية".

وأكدت الوثيقة أن مستشار الملك الحسن الثاني أحمد بنسودة زار "مدينة السمارة في شمال وسط البلاد"، والتي دخلتها القوات المغربية في 2 نوفمبر. وأضافت أن المطالب المغربية تعززت بكون "آراء الصحراء أخذت في الاعتبار في 29 نونبر عندما وافقت الجمعية العامة الإقليمية الصحراوية رسميًا على الاتفاقية الإسبانية المغربية الموريتانية الأخيرة وأعلنت الولاء للملك الحسن".

وتضيف الوثيقة "ومع ذلك، أفاد مراسل إسباني أن أقل من ثلث أعضاء الجمعية حضروا الاجتماع الاستثنائي". كما أن "وفدا من ممثلي الجمعية وزعماء القبائل، الذين يزعمون تمثيل جميع الصحراويين، توجهوا إلى الرباط يوم الثلاثاء لتقديم الولاء للملك الحسن الثاني".

بالمقابل "اتهمت وسائل الإعلام الجزائرية مسؤولين إسبان بتسهيل استيلاء الرباط على السمارة وبعض المواقع المتقدمة في الجزء الشمالي من الإقليم". وأضافت الوثيقة "لا تزال الجزائر تناور في الأمم المتحدة من أجل إعلان رسمي إسباني بالانسحاب من الاتفاق الثلاثي"، لكن يبدو أن "الإسبان ملتزمون بالاتفاقية الأخيرة".

وبخصوص إسبانيا فإنها قامت بتسريع انسحابها من الإقليم "لتجنب التورط في أي أعمال عدائية بين المغرب وجبهة البوليساريو أو الجزائر". وأشارت الوكالة إلى أن "الانسحاب قد يكتمل بحلول نهاية هذا الشهر أو أوائل يناير، أي قبل الموعد النهائي المحدد في فبراير بكثير".

وبعد فشل مساعيها، بدأت الجزائر تركز جهودها على تسليح جبهة البوليساريو ودعمها في مختلف المحافل الدولية والإقليمية، وهي السياسة التي لا تزال تنهجها إلى الآن، فيما أعلنت إسبانيا فك ارتباطها بالصحراء في رسالة وجهها ممثلها الدائم لدى الأمم المتحدة في 26 فبراير 1976 إلى الأمين العام الأممي.

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال