بعدما فشلت الجزائر في التأهل إلى مونديال قطر، لم تتردد وسائل إعلام الجارة الشرقية، في إقحام المغرب، في الموضوع وتحميلهما مسؤولية هذا الإخفاق الرياضي، لتدخل بعد ذلك على الخط، " منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد" والتي تدعي أنها تتخذ من سويسرا مقراً لها، حيث قامت هذه الأخيرة بنشر مقال على موقعها على الإنترنت، بعنوان "الجزائر - الكاميرون: مباراة العار !!!"، صوبت فيه أسهما اتجاه، الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) والاتحاد الإفريقي لكرة القدم (الكاف).
ويدعي المقال أن "خبراء منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد" قاموا بإثبات أخطاء التحكيم التي ارتكبت وفساده، من خلال "مجموعة من الوثائق"، دون أن تقدم أي شيء ملموس. فمن خلال النظر في الاتهامات الثقيلة التي وزعتها يمينا وشمالا، والبحث في مسيرة هذه المنظمة، ومسار رئيسها، تصبح الأمور أكثر وضوحا.
تقف وراء هذا المقال جيسيكا كاريل، عضو المجلس التنفيذي وعضو قسم التحقيقات في هذه المنظمة المزعومة. لكن جيسيكا كاريل هذه ليس لها أي وجود حقيقي، باستثناء ورود اسمها داخل المنظمة والمقالات الجزائرية التي تصفها بأنها مسؤولة داخل قسم التحقيقات في المنظمة، وفي بعض الأحيان بأنها المتحدثة باسمها. أما بالنسبة لصورتها، فهي مأخوذة ببساطة من بنك صور Freepik.
وأغلب أعضاء المنظمة الآخرين، مجرد أسماء لا وجود لها على أرض الواقع، باستثناء القليل منهم، من بينهم رجل الأعمال فرانسوا أوبريوت، موريس تيهال، المحامي في نويي سور سين ورئيسها مراد مزار.
وتدعي منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد، أنها تجمع بين "عدة منظمات وجمعيات وطنية ودولية"، وفيما يتعلق بـ "التمثيلات القارية"، فإن موقع المنظمة يكتفي بالإشارة إلى الاتحادات القارية الإقليمية، (الاتحاد الإفريقي لكرة القدم، والاتحاد الآسيوي لكرة القدم...). كما لا توجد إشارة إلى تاريخ تأسيس المنظمة، باستثناء تاريخ انتخاب رئيسها في عام 2020 من قبل "الجمعية العامة"، التي تضم أعضاء المكتب، نصفهم مجرد أسماء وهمية.
وفي القسم الخاص بالصور، لا تتوفر المنظمة على أي صور خاصة بأنشطتها، باستثناء بضع صور تم التقاطها خلال مؤتمر نظم في ليبيا، تحمل شعار "منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد". ويتطابق شعار هذه المنظمة، بشكل كبير مع شعار "الاتحاد الدولي لمكافحة الفساد الرياضي " وهي منظمة سنتطرق لها لاحقًا.
منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد ووكالة الأنباء الجزائرية
جل منشورات منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد، التي من المفترض أن تكون لها أعمال موضوعية حقيقية، ما هي إلا مقالات مسروقة من مقالات صحفية، على سبيل المثال، مقال حول إسبانيا، مؤرخ في 22 مارس، يعود لصحيفة " Les Échos"، ونسبت المنظمة المقال إلى "مراسل في مدريد". وتم أيضا نسخ مقال صادر في 27 دجنبر 2021 حول ليبيا، من صحيفة لوموند، دون ذكر اسم الكاتب.
وتبقى قائمة المقالات المسروقة التي تنسبها المنظمة لنفسها، طويلة. ومن بين "الإبداعات الأصلية" لمنظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد، نجد على وجه الخصوص المقال المعنون بـ "منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد تشجب اغتيال ثلاثة مواطنين جزائريين ..."، موقع من طرف جيسيكا كاريل الوهمية، حيث تنتقد المنظمة بشدة "اغتيال ثلاثة مدنيين جزائريين في قصف شنته قوات الاحتلال في الصحراء الغربية ". هذا الخروج الغريب - البعيد عن مهام مكافحة الفساد في المنظمة – رحبت به وكالة الأنباء الجزائرية، ولم تتردد في نقله في 4 نونبر الماضي.
ونجد على موقع وكالة الأنباء الجزائرية، منشورات أخرى لمنظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد، تتمركز حول موضوعين رئيسيين، إما مهاجمة المغرب، في "قضية الاغتيال" التي تحدثت عنها، أو للدعوة إلى "تقرير مصير الشعب الصحراوي".
وفي مواضيع أخرى، تحدثت وكالة الأنباء الجزائرية عن مشاركة منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد، في مؤتمر الشباب الليبي، وعلى ما يبدو فهو الحدث الدولي الكبير الوحيد الذي شاركت فيه. بالإضافة إلى تنظيمها "مؤتمر دولي حول دور المجتمع المدني في مكافحة الفساد" في الجزائر وافتتاح مكتب منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد في الجزائر. فباستثناء هذين الحدثين، لم يتم ذكر مشاركة أو تنظيم المنظمة لأي مؤتمر دولي آخر، كما لم تفتتح أي مكتب آخر لها رغم أنها تصنف نفسها أنها منظمة عالمية.
وإلى جانب وكالة الأنباء الجزائرية، تستشهد العديد من وسائل إعلام الجارة الشرقية، أو تتحدث عن منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد، من بينها Algérie62، El Watan، Le Courrier d'Algérie التي تحدثت عن افتتاح المكتب الجزائري أو تعيين مراد مزار رئيسًا للمنظمة.
ويقف وراء هذه المنظمة المزعومة، "رئيسها" الجزائري، مراد مزار، المقيم بمدينة ليون الفرنسية. سبق له أن اشتغل كإطار رياضي في العديد من الأندية الصغيرة في المنطقة، قبل أن يصبح رئيسًا للمجلس الوطني للاعبي كرة القدم المحترفين الجزائريين في عام 1993 واتحاد لاعبي كرة القدم الأفارقة في عام 2000، وفقًا لما ذكرته " depechedekabylie" . بعد ذلك، تولى رئاسة نادي قسنطينة الجزائري لموسم 2008-2009، بل وترشح لرئاسة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم في 2015، بحسب " lequotidien-oran".
في عام 2015، أصبح رئيسًا للاتحاد الدولي لمكافحة الفساد الرياضي (FIACS)، ليحل مكانه دالي ندياي. وأتاحت له هذه المنظمة، الفرصة للحضور في عدة أحداث، مثل منتدى الأمن الوطني بالمدرسة العليا للشرطة، والذي يمكن العثور عليه على حساب في موقع "يوتيوب" باسم "OMSAC"، وهو حساب توقف عن نشر الفيديوهات منذ عامين. ويضم 35 فيديو منذ 2015، كلها لمراد مزار.
ومن المفارقات، أن مراد مزار حل بالدار البيضاء عام 2018، بصفته رئيس للاتحاد الرياضي الدولي لمكافحة الفساد، لمنح جائزة مكافحة الفساد لجياني إنفانتينو (رئيس الفيفا) وأحمد أحمد (رئيس الكاف) خلال عشاء رسمي للكاف (شاهد الفيديو).
وبعد انتقادها تحكيم مباراة الجزائر والكاميرون، نشرت "منظمة الأمن العالمية لمكافحة الفساد" في 17 أبريل مقالًا معنون بـ "فيفا: قدم بلاتيني شكوى ضد إنفانتينو بتهمة استغلال النفوذ" نقلت فيه بيانا صحفيا لميشيل بلاتيني مؤرخ في 5 أبريل. وبالرغم من تداول الخبر على نطاق واسع قبل مدة، إلا أنه لم يثر اهتمام منظمة مكافحة الفساد إلا بعد هزيمة الجزائر.
ومن خلال المنظمة المزعومة، والتي لا يوجد لها أثر في أي سجل، وموقعها الإلكتروني مسجل في فرنسا، سمح مراد مزار للسلطات الجزائرية، بخلق حجج جديدة لمهاجمة المغرب وأيضا الفيفا والكاف، باعتبارهما المسؤولين عن فشل المنتخب الجزائري في الوصول إلى المونديال.
ومن خلال اختياره التركيز على "محاربة الفساد"، يحاول مزار، أن يساير الدعاية الرسمية في الجزائر والتي تتحدث عن محاربة الفساد. وخلال استقباله لوزير الخارجية الأمريكي أنطوني بلينكين، حرص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على الحديث عن ذلك وقال "نحن البلد الوحيد الذي يتميز بالديناميكية في محاربة الفساد". ومن خلال منظمته الوهمية، يحاول مراد مزار إيصال صوت النظام الجزائري، الذي يحاول أن يردد بصوت عال أن "المغرب هو البلد الوحيد الفاسد!".