القائمة

أخبار

سكان مخيمات تندوف.. هل هم لاجؤون وكم عددهم ومن أين أتوا؟

تتخذ الجزائر والبوليساريو من ساكنة مخيمات تندوف ورقة ضغط ومساومة أمام المجتمع الدولي، ورغم المطالب الأممية بإحصائهم إلى أن الجزائر ترفض ذلك بشكل قاطع وتكتفي بتقديم أراقام متضاربة. كما تشير تقارير تتميز بمصداقيتها إلى أن الكثير من سكان مخيمات تندوف ينحدرون من الجزائر وموريتانيا ودول الساحل، ولا علاقة لهم بالصحراء الغربية.

نشر
مخيمات تندوف
مدة القراءة: 7'

يعيش آلاف الصحرارويين في مخيمات تندوف منذ السبعينات، مقسمين على خمس مخيمات، ويعتبرون ورقة ضغط ومساومة في يد الجزائر والبوليساريو أمام المجتمع الدولي، في إطار سعيهما لإقامة دولة سادسة في منطقة المغرب العربي على أرض الصحراء الغربية.

وبينما يعتبرهم المغرب "صحراويون محتجزون في مخيمات العار"، تقول الجزائر إنهم "لاجئون فروا من القمع المغربي"، وتحاول من خلال احتضانهم وتقديم الدعم لجبهة البوليساريو التي فوضت لها مسألة إدارتهم، تحقيق أهداف سياسية، في إطار سعيها للريادة الإقليمية في المنطقة.

ورغم أن كل دول العالم التي تستضيف لاجئين على أرضها تسعى إلى أن تكون إقامتهم مؤقتة، وتضغط على المجتمع الدولي لإحصائهم وإعادتهم إلى وطنهم وإنهاء معاناتهم، إلا أن الجزائر تسعى بكل قوتها إلى إبقائهم في المخيمات، بل وتساعد البوليساريو على تشديد مراقبة الداخلين والخارجين من المخيمات، خشية مغادرتهم بشكل نهائي، ما سيضعف موقفها وموقف حليفتها جبهة البوليساريو.

هل هم لاجؤون؟

بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها اتفقت دول العالم على إنشاء منظمة تحت إشراف الأمم المتحدة بهدف حماية ودعم اللاجئين وإتمام عودتهم الاختيارية إلى أوطانهم، أو الاندماج في المجتمعات المستقبِلة، أو إعادة التوطين في بلدان ثالثة، وأطلق عليها اسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ومنذ ذلك الحين تتولى هذه المفوضية التي يوجد لها موظفون في أكثر من 100 بلد، الإشراف على عمليات إحصاء اللاجئين وتحديد احتياجاتهم، واتخاذ الإجراءات الكفيلة بحمايتهم.

ووقعت أغلب دول العالم ومن بينها الجزائر على الاتفاقية الخاصة بوضع اللاجئين والبروتوكول الخاص بوضع اللاجئين وهما وثيقتان تحددان كيفية عمل المفوضية، وتعرف الاتفاقية والبروتوكول المقصود بلفظة "لاجئ". وتجمل حقوق اللاجئ، بما فى ذلك حقوقه من قبيل حرية العقيدة والتنقل من مكان إلى آخر، والحق فى الحصول على التعليم، ووثائق السفر، وإتاحة الفرصة للعمل...

وينص البروتوكل في مادته الثانية على أن الدول الأطراف تتعهد "بالتعاون مع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أو مع أية مؤسسة أخري تابعة للأمم المتحدة قد تخلفها، في ممارسة وظائفها، وتتعهد علي وجه الخصوص بتسهيل مهمتها في الإشراف علي تطبيق أحكام هذا البروتوكول".

لكن الجزائر تتنصل من التزاماتها وترفض تلبية مطالب الهيئة الأممية والسماح لها بإحصاء عدد سكان مخيمات تندوف، وتتجاهل تنصيص قرارات مجلس الأمن المتعاقبة بخصوص نزاع الصحراء وآخرها القرار الصادر في أكتوبر 2023، على ضرورة إحصاء سكان المخيمات.

وترد الجزائر بأن "الحل الدائم والوحيد لإنهاء معاناة الصحراويين" يتمثل "فقط في العودة الطوعية إلى بلدهم في إطار التطبيق الكامل لخطة الأمم المتحدة للسلام في الصحراء الغربية، والتي تضمن للشعب الصحراوي الحق في تقرير مصيره للتعبير عن تطلعاته وتحديد مستقبله بكل نزاهة وحرية"، وأن "تعداد اللاجئين الصحراويين هي عملية تعتبر جزء لا يتجزأ من هذه الخطة التي تميزها عن التعداد الموصى به في حالات اللاجئين الأخرى".

كما أن الجزائر تنتهك القانون الدولي من خلال تفويضها للبوليساريو عمليات الرقابة والإشراف على المخيمات بدلها باعتبارها "البلد المضيف" والمسؤول عن وضع "اللاجئين".

كما تشير القوانين الدولية أيضا إلى أن "اللاجئ هو شخص مدني. والشخص الذى يستمر فى الاشتراك فى أنشطة عسكرية لا يمكن النظر فى منحه اللجوء". وتتوفر جبهة البوليساريو على ميليشيا مسلحة تطلق عليها اسم "جيش التحرير الصحراوي".

كم عددهم؟

وأمام رفض الجزائر إحصاء مخيمات تندوف، تقدر الأمم المتحدة عددهم بـ90 ألفا، وهو الرقم الذي يثير حفيظة الجزائر وجبهة البوليساريو، التي ترفض تقديم المساعدات الإنسانية على أساس هذا الرقم، وتدعي أن عدد سكان المخيمات أكثر بكثير.

وخلال السنة الماضية وأثناء مداخلة لها أمام الدورة الـ 74 للجنة التنفيذية لبرنامج المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين دعت الجزائر الوكالة الأممية إلى تكييف احتياجات اللاجئين الصحراويين مع عددهم الحقيقي الذي "يتجاوز بكثير 90 ألف وهو الرقم المستخدم كأساس لحساب المساعدات" ودعت إلى اعتماد "الدراسة المشتركة بين وكالات برنامج الأغذية العالمي واليونيسيف والمفوضية السامية الأممية لشؤون اللاجئين التي قدرت عدد اللاجئين الصحراويين في الجزائر ب173.600".

الحكومة الجزائرية ذاتها سبق لها أن قدرت عددهم في مناسبة أخرى بـ 165,000 لاجئ، وترفض الهيئات الأممية اعتماد أرقام الجزائر وتصر على التعامل مع رقم 90 ألف، "إلى حين إتمام عملية التسجيل"، مع الإقرار بأنهم يعتمدون "على المساعدات الإنسانية بشكل أساسي كما أن احتمال اعتمادهم على أنفسهم ضئيل جداً نظراً لمحدودية الأنشطة المدرة للدخل".

وتعود محاولات تضخيم عدد سكان مخيمات تندوف إلى بداية النزاع، حيث تشير وثيقة للخاريجية الأمريكية صدرت في 16 دجنبر 1977، إلى أن "عدد اللاجئين من الصحراء الغربية مبالغ فيه إلى حد كبير من قبل جبهة البوليساريو"، وأضافت "أظهر تعداد سكاني إسباني أجري عام 1974 أن عدد الصحراويين الأصليين بلغ 74 ألف نسمة فقط في كامل الصحراء الإسبانية"، فيما كانت الجزائر وجبهة البوليساريو تزعمان "علناً أن عدد اللاجئين من الصحراء الغربية يتجاوز المائة ألف لاجئ. والواقع أن رفض الجزائر القاطع السماح بإجراء مسح دقيق لأعداد وأصول السكان المتجمعين في المخيمات المحيطة بتندوف يجعل هذه المزاعم موضع شك"، حسب ذات الوثيقة.

من هم ومن أين أتو؟

تروج الجزائر وجبهة البوليساريو أن سكان مخيمات تندوف هربوا من الصحراء الغربية خوفا من بطش ما تسميها "قوات الاحتلال" المغربية، وطلبا للحماية والأمان. لكن هذه هذه الرواية تفنذها جهات دولية أخرى وتؤكد أن المخيمات تؤوي صحراويين من الجزائر وموريتانيا بالإضافة إلى أولئك الذين تنحدر أصولهم من الصحراء الغربية.

وتشير الخارجية الأمريكية في وثيقتها الصادرة في في 16 دجنبر 1977،إلى "إن نسبة كبيرة من الصحراويين الذين يتجمعون في المخيمات في الجزائر ليسوا من الصحراء الغربية السابقة"، وتضف الوثيقة ذاتها "كما تضم مخيمات اللاجئين هناك عدداً كبيراً (وربما أغلبية) من الصحراويين الذين وصلوا من مناطق أخرى من الصحراء (الجزائر وموريتانيا ومالي وحتى المغرب)، إما هرباً من الجفاف في منطقة الساحل أو لأن المتحدثين باسم الجزائر وجبهة البوليساريو حثوهم على القدوم".

وتوضح أن "الطبيعة البدوية للصحراويين، الذين تجاهلوا تقليدياً الحدود الوطنية، تجعل السكان في المنطقة يتنقلون على نطاق واسع، اعتماداً على الظروف الموسمية والمناخية. ومع ذلك، فمن الواضح أنه في العامين الماضيين جمعت الجزائر وجبهة البوليساريو مجموعة تتألف ربما من 30 ألفاً إلى 80 ألف صحراوي قادرون على إظهار رغبتهم في الحرية والعودة إلى "الوطن" الصحراوي بشكل مثير للإعجاب أمام المراقبين الأجانب".

كما تشير الوثيقة ذاتها إلى أن "قادة البوليساريو، على الأقل بعضهم من المنشقين اليساريين من موريتانيا والمغرب، هم حلفاء أيديولوجيون للجزائر".

ومن أجل ضمان الولاء للطرح الانفصالي لسكان المخيمات تؤكد الوثيقة أن الجزائر تعمل بمعية البوليساريو على "تسييس سكان المخيمات"، عن طريق قيامهما "بتنفيذ برنامج لتلقين اللاجئين الصحراويين في الجزائر. ويخضع اللاجئون، الذين تم تجميعهم فيما بين 20 إلى 30 مخيمًا، لتدريب سياسي وعسكري يهدف إلى إعدادهم للعودة إلى دولة صحراوية مستقلة".

وبالإضافة إلى ذلك لا يزال العديد من سكان مخيمات تندوف المنحدرين من أصول موريتانية، يحافظون على علاقات ببلدهم الأصلي، كما أنهم يحرصون على المشاركة في الانتخابات، وفي سنة 2013، دعي حوالي 6 آلاف صحراوي من مخيمات تندوف إلى المشاركة في الاستحقاقات البرلمانية والبلدية في موريتانيا.

وسبق لرئيس الرابطة الصحراوية للديمقراطية وحقوق الإنسان حمادة البيهي، الذي قضى حوالي 40 سنة في مخيمات تندوف أن أكد أن "أقل من 20 في المائة من سكان مخيمات تندوف هم من العيون، السمارة أو بوجدور. أما البقية فهم من الطوارق ومواطني الدول المجاورة مثل موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال