القائمة

أخبار

دياسبو #418: الأمومة ترشدها إلى الحبر.. إكرام عامر تكتب من مدغشقر هويتها المستقلة

أحيانا يكفي حدث واحد ليعيد كتابة الحياة من جديد، فبالنسبة لإكرام عامر، كانت الأمومة تلك اللحظة الفاصلة. في مدغشقر، حيث وجدت لنفسها مكانا جديدا، خرجت الرغبة في التعبير من صمتها، فذهبت نحو الكتابة لتروي ما تراه وما تعيشه، وتبني هويتها الأدبية الخاصة ككاتبة مستقلة.

نشر مدة القراءة: 5'
DR

تنتمي إكرام عامر إلى عائلة مغربية تنحدر من مدينة وجدة، لكن من جذور مختلفة، فهي أنگادية من جهة والدها وموساوية من جهة والدتها. ورغم هذا الامتداد العائلي نحو الشرق المغربي، فإن طفولتها كُتبت على أرض فرنسا، حيث وُلدت وترعرعت في سين سان دوني، في الحي المعروف برقم “93”. هناك تقول إنها عاشت طفولة سعيدة جدا، مليئة بالضحك والاحتفالات والأجواء العائلية، ومبنية على المشاركة والدعم من المحيط: جيران، أصدقاء، وأفراد عائلة دائما بالقرب منها.

لم يكن مسارها الدراسي نتاج شغف واضح، فقد وجدت نفسها تتجه نحو دراسة الموارد البشرية بنظام التناوب فقط لأنها لم تكن تعرف حينها كيف تصل إلى المجالات التي تجذبها. ومع ذلك، واصلت طريقها إلى غاية دخول عالم الشغل في فرنسا.

لكن دائما ما كانت فكرة العيش في الخارج ترافقها منذ الصغر، حيث كانت تتخيل مستقبلها في الولايات المتحدة أو كندا أو إنجلترا، غير أنّ القدَر حملها إلى وجهة إفريقية غير متوقعة: مدغشقر، وذلك بعدما تلقت فرصة عمل هناك وشدّها التغيير الكلي في نمط الحياة، فانتقلت في أبريل 2015، وهي تخطط للبقاء عامين فقط. لكن السنوات توالت، وأصبحت تجربتها هناك جزءا كبيرا من حياتها ومسارها.

«Rubik’s ta vie !».. رواية ترى الإنسان كمكعب متعدد الوجوه

في العاصمة المالاغاشية، أسست قسم علاقات العملاء لشركة متخصصة في إدخال البيانات، قبل أن تتدرج في مناصب مسؤولية بعدة مؤسسات. ورغم أن العمل كان محفزا، فإن رؤيتها المهنية تغيّرت بعد ولادة ابنتها. بدأت تشعر أن الكثير من ممارسات عالم الشغل سطحية وتفتقر للجانب الإنساني، وتقول خلال حديثها مع يابلادي "حيث لا مكان حقيقي للتعاطف أو التفاهم، ضمن نموذج رأسمالي أبوي يعطي الأولوية للنتائج قبل الإنسان".

هذا التحول دفعها نحو مشاريع أكثر توافقا مع قناعاتها. أنشأت علامة جميلة لمنتجات الأطفال المصنوعة يدويا في مدغشقر، ثم أطلقت علامة ملابس معاد تدويرها. ومع ذلك، كان هناك هاجس أقوى ينمو داخلها: أن تنقل لابنتها شيئا عميقا يبقى ويُجسّد القيم التي تؤمن بها، وذلك من خلال الكتابة.

لكن الكتابة لم تكن أمرا جديدا بالنسبة لإكرام، فأول نص كتبته كان قصيدة ضد العنصرية وهي تبلغ من العمر 11 سنة، وقد حظي بإعجاب أساتذتها حتى أنها قرأته في نهاية السنة أمام الجمهور. لاحقا، تحولت الكتابة إلى متنفس في دفتر المذكرات، ثم بدأت تكتب ملاحظاتها عن الركاب في وسائل النقل العمومي، وتخترع لهم حكايات. بخلاصة كانت الكتابة بالنسبة لها "ملاذا وفضاء للتعبير عن أشياء لا تُقال، لكنها كانت أيضا مرآة للرغبة في سرد الواقع بطريقة أعمق".

ورغم هذا الشغف، فإن الخوف من نظرة الآخرين و"متلازمة المحتال" تسبّبا في تأجيل مشروعها الكتابي سنوات طويلة. لكن رغبتها في ترك إرث معنوي لابنتها دفعتها في النهاية لطرق باب الأدب.

قادها ذلك إلى كتابة روايتها الأولى: «Rubik’s ta vie !». تتبع الرواية شخصية ابتسام، شابة تواجه تحديات عصرها دون أن تدرك دائمًا العراقيل التي تقف أمامها. تتناول الرواية مواضيع التعدد الثقافي والتميّز الفردي وصنع الهوية الخاصة، إضافة إلى قضايا مثل العنصرية والتمييز الجنسي والعلاقات السامة، لكن دون أن تكون هذه المواضيع شعارات مباشرة، بل جزءًا طبيعيًا من مسار الحياة اليومية.

"اخترت مكعب روبيك رمزا للرواية لأنه يشبه الإنسان: له وجوه متعددة لا تُرى دفعة واحدة، تتغيّر باستمرار، وتتداخل لتشكّل صورة جديدة كل مرة"

إكرام

وبأسلوب شفهي قريب من القارئ، وبنبرة تتخللها الدعابة والمراجع الثقافة الشعبية في الموسيقى والسينما والمسرح الكوميدي، صاغت إكرام عملها الأدبي الأول بثقة متزايدة في صوتها الخاص.

نصيحتها: اكتب وكأن لا أحد يقرأ

تقول إنها لم تواجه صعوبات في الكتابة نفسها. ما إن وجدت أسلوبها حتى سار كل شيء بسلاسة. غير أن التحدي الحقيقي بدأ بعد الطباعة. فالتسويق والحديث عن الكتاب والتعريف به من بعيد أمور صعبة تتطلب جهدا كبيرا. ولهذا اختارت طريق النشر الذاتي، لأنها تدرك أن طريق دور النشر طويل وانتقائي للذين يفتقرون إلى العلاقات داخل الوسط. كما ترى أن العديد من المؤلفين لا يربحون الكثير ماديا، فآثرت أن تربح الوقت والحرية.

اليوم، هي المسؤولة عن كل مراحل مشروعها الأدبي من الكتابة إلى التسويق، دون استراتيجية محددة. تجرّب، تخطئ، تتعلم، وتواصل. تقول إنها تتكل على ملاحظتها القوية للناس ولغة الجسد والإشارات غير المنطوقة. وتصف خيالها بأنه “تسونامي”، يجمع الأفكار ويحوّلها بسهولة إلى سرد حين تجتمع الملاحظة مع الإلهام. وعندما تمر بلحظات شك، تلجأ إلى شقيقتها التي رافقت عملية الكتابة خطوة بخطوة.

وبرغم دخول الكتابة بشكل فعلي إلى حياتها، إلا أنها لا ترى أنها غيّرت حياتها الشخصية بشكل كبير حتى الآن.  وقالت "كانت الكتابة بمثابة مساحة للهروب والخيال والدراما اللطيفة التي أعشقها" وتقول نازحة “أنا قليلا drama queen”، والورق يمنحني حقّ المبالغة الجميلة!"

تفكر إكرام حاليا في كتابها الثاني، لكنها تمزج ذلك بالرغبة في أن يأخذ كتابها الأول وقته الكافي ليصل إلى الجمهور. وتقول بابتسامة: “ربما الثاني سيكشف الأول أكثر… الله أعلم”.

واختتمت إكرام حديثها بالقول لكل من يحلم بالكتابة ويخشى البدء: وذلك انطلاقا من تجربتها الشخصية "اكتبوا وكأن لا أحد سيقرأ ما تكتبونه… عندها فقط تظهر الحقيقة".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال