كأس الأمم الإفريقية ليست مجرد بطولة لكرة القدم، بل هي مهرجان حقيقي، أبطاله المشجعون الذين توافدوا من مختلف أنحاء القارة إلى المغرب في رحلة تشبه الحج، لدعم منتخباتهم الوطنية على الطريقة الإفريقية. فخلال مرحلة المجموعات، تحولت مقاطع فيديو المشجعين المخلصين إلى حديث الإنترنت. وفي هذه البطولة، وبعيدا عن الأعلام والأوشحة المعتادة، اجتاحت الشوارع والملاعب في المدن الست المستضيفة جماهير بملابس استثنائية، مزينة من الرأس إلى أخمص القدمين بإكسسوارات رمزية وصناعية، في مشاهد مبهرة بحق.
تمثال بشري لباتريس لومومبا
بشبه مذهل بباتريس لومومبا، أول رئيس وزراء لجمهورية الكونغو الديمقراطية وزعيم الحركة الوطنية الكونغولية من سنة 1958 إلى غاية اغتياله سنة 1961، أصبح هذا المشجع نقطة جذب رئيسية في كل مباراة للكونغو الديمقراطية خلال كأس الأمم الإفريقية.
معروف ببساطة باسم "لومومبا"، يقف هذا المشجع المخلص لمدة 90 دقيقة كتمثال، رافعا ذراعه في الهواء. بلا حراك تماما، يعيد خلق الوضعية الرمزية لرئيس الوزراء الراحل، رمز الاستقلال الكونغولي والفخر الوطني.
.jpg)
وفي المغرب، أدهشت مقاطع فيديو أدائه المتفرجين في الملاعب ورواد الإنترنت، حيث جرى تداول عدد لا يُحصى منها على منصات التواصل الاجتماعي. مرتديا بدلة زرقاء بلون علم جمهورية الكونغو الديمقراطية، تتجاوز رسالة هذا المشجع حدود كرة القدم لتكون تكريما لزعيم رسم طريق استقلال البلاد، وحارسا رمزيا لفهود الكونغو وهم يسعون إلى حجز مكان في دور الستة عشر.
الرجل الزجاجي من لعبة الحبار
وخلال فوز السنغال بثلاثة أهداف دون رد على بوتسوانا في مباراتهم ضمن المجموعة الرابعة، يوم الثلاثاء الماضي، تحولت الأنظار مؤقتا من أرضية الملعب إلى المدرجات، حيث برز مشجع آخر كظاهرة على الإنترنت.
وحوالي الدقيقة 19، التقطت كاميرات التلفزيون مشجعا يرتدي زيا فضيا لامعا من الرأس إلى القدمين، وسرعان ما أطلق عليه المشاهدون لقب "الرجل الزجاجي". وكان مظهره، الذي شُبّه على الإنترنت بشخصية من مسلسل لعبة الحبار، بارزا بوضوح وسط الحشد، ما أثار موجة من الميمات واللقطات وردود الفعل.

وسرعان ما طُرح السؤال: كم من الوقت استغرق صنع مثل هذا الزي؟ فقد أثار التفاني وحده إعجاب المشاهدين. ولا يزال هناك لغز آخر يتعلق بالفريق الذي يشجعه، بعدما شوهد المشجع ذو الزي الفضي في عدة مباريات، ما دفع المتابعين إلى تحويل ظهوره إلى لعبة بحد ذاتها: من سيكتشف الرجل الزجاجي أولا ويلتقط صورة؟
المشجع المغربي الأكثر سنغالية
وليس جميع المشجعين الذين أصبحوا ظاهرة في كأس الأمم الإفريقية مميزين بأزيائهم، فقد استحوذ أحد المشجعين المغاربة على اهتمام الجماهير لسبب مختلف تماما، يتعلق بالفريق الذي يشجعه.
وقد أطلق عليه المشجعون السنغاليون أنفسهم لقب "المشجع المغربي الأكثر سنغالية"، إذ شوهد مرارا في مباريات السنغال، يرقص وسط الجماهير السنغالية على إيقاعاتهم وأغانيهم الشهيرة. ويسهل التعرف عليه، إذ يكون غالبا الوحيد الذي يرتدي الأحمر، لون أسود الأطلس المغربية، وسط بحر من الأصفر والأخضر السنغالي.

وليست هذه أولى لحظاته على الإنترنت، فقد سبق أن شوهد المشجع نفسه خلال كأس العالم لكرة القدم 2022 في قطر، وهو يرقص إلى جانب مشجعي السنغال.
الأزياء المذهلة لبوركينا فاسو
كما خطف مشجعو بوركينا فاسو الأضواء خلال هذه النسخة من كأس الأمم الإفريقية. ففي مباراتهم أمام الجزائر يوم الأحد، كان حضورهم لافتا في ملعب مولاي الحسن، بين أصوات الأبواق والطبول وأزيائهم المميزة.
وظهر أحد المشجعين مغطى بالكامل بإكسسوارات يدوية تزين جسده من الرأس إلى القدمين، وكان زيه الأخضر والأصفر مرصعا بالأصداف، تعلوه أقنعة وتيجان متعددة الطبقات. ولم يكن وحده، إذ شوهد عدد من مشجعي بوركينا فاسو يرتدون أزياء مشابهة، لكل منها تباين إبداعي خاص، محولين المدرجات إلى معرض متحرك للتعبير الثقافي

الأجواء الملتهبة لساحل العاج
وفي مدرجات مباراة ساحل العاج أمام الكاميرون، يوم الأحد، بالملعب الكبير في مراكش، كانت الأجواء كهربائية رغم برودة المدينة. ولم تكن الأزياء هي التي سيطرت، بل الموسيقى.
مرتديا اللون البرتقالي، ظل المشجعون الإيفواريون يغنون ويرقصون طوال المباراة، وكانت أغانيهم تتردد في أرجاء الملعب وهم يتمايلون على إيقاعات الطبول، محولين المدرجات إلى احتفال متواصل.

ولا تزال المنافسة في بدايتها، حيث تتصارع المنتخبات على بطاقات العبور إلى دور الستة عشر والمباريات الحاسمة المقبلة. وأمر واحد مؤكد: ما زال أمام المشجعين وقت طويل للمفاجأة والإلهام وتجاوز أنفسهم مع استمرار كأس الأمم الإفريقية، مؤكدين مرة أخرى أن سحر البطولة يعيش في المدرجات بقدر ما يعيش فوق أرضية الملعب.


chargement...






