في بداية ثمانينات القرن 18 كانت العملة المغربية الرسمية هي "الحسني"، وهي العملة التي سكها السلطان مولاي الحسن سنة 1881 ليضع بذلك حدا للنظام النقدي القديم الذي كان مبنيا على المقاييس والأوزان الشرعية، إلا أن هذه النقود انهارت بشكل كبير سنة 1902 بسبب الاضطرابات من جراء التدخل الأوروبي.
إثر ذلك قرر المجتمعون في مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي عقد في 1906، وخصص لمناقشة تقرير مصير المغرب كمستعمرة أوروبية، إنشاء بنك الدولة ليتكلف بمهمة إصلاح الوضع النقدي بالمغرب.
الحسني والفرنك الفرنسي
مع إبرام عقد لحماية سنة 1912 أصبح للفرنك الفرنسي مكانة مرموقة في السوق المغربية، بفضل مجهودات بنك الجزائر الذي عمل المستحيل من أجل توسيع نشاطه بالمغرب، بحسب ما يشير الأستاذ الجامعي محمد الناصري في بحث معنون بـ "الرواج النقدي وإشكاليته في عهد السلطان مولاي يوسف" نشر في شهر نونبر من سنة 2006.
وهكذا أصبح الفرنك الفرنسي عملة رسمية إلى جانب "الحسني"، إلا أن هذه الازدواجية النقدية أدت إلى صراعات بين العملتين، انتهت بتنحية العملة المغربية من السوق، لينفرد الفرنك بالسوق المغربية.
ففي 19 مارس من سنة 1920 صدر ظهير يقرر "التخلي عن النقود الفضية الحسني حفاظا على النظام وسهولة المبادلات"، ونص على سحب هذه النقود "الحسنية" من التداول في انتظار إقامة نظام نقدي طبيعي، وأوضح أن "العملات التي ستبقى مستعملة في جميع المجالات هي الفرنك ليس فقط بسبب الضمانات التي يوفرها لكنه أيضا أصبح العملة التي تستخدم في الحسابات العمومية".
وهكذا تم جمع عملة الحسني بشرائها بأوراق نقدية صادرة عن بنك فرنسا أو بنك الجزائر.
تأسيس "الفرنك المغربي" ورواجه
كان برنامج الإصلاح النقدي في المغرب يقتضي في البداية إلغاء العملة المحلية "الحسني" من الرواج وهو ما تم في ربيع 1920 حيث اختفى الحسني من التداول فتكدس الجزء الأكبر من هذه العملة في خزينة بنك الدولة، والجزء الآخر ظل رائجا بالمنطقة الإٍسبانية ومنطقة طنجة.
وعمل بنك الدولة من خلال المفاوضات مع وزير المالية الفرنسي ومع الحكومة الشريفة على تحقيق اتفاق مباشر مع الخزينة الفرنسية من أجل إطلاق عملة جديدة، عي الفرنك المغربي، وضمان المساواة بين الفرنك المغربي والفرنسي.
لكن العملة المغربية الوليدة واجهت منافسة من أوراق بنك فرنسا وبنك الجزائر، وهو ما يشير إلى أن الازدواجية النقدية كانت لا تزال مستمرة في المغرب، وفي 4 مارس 1922 صدر المرسوم الوزيري الذي قرر ابتداء من فاتح يوليوز 1922 أن يتم توقيف العمل بالامتياز الذي كانت تحظى به عملات بنك فرنسا وبنك الجزائر في رواجهما بالمغرب، وهو ما كان له تأثير إيجابي على رواج العملة الجديدة.
وكانت فرنسا تهدف من وراء هذا الإصلاح أو التحديث النقدي إلى إحكام سيطرتها على السوق المغربية وإخضاعها لنظامها من أجل استغلال البلاد والعباد في ظروف ملائمة.
تأسيس الدرهم واعتماده عملة للبلاد
مع انتهاء الحماية الفرنسية للمغرب، بدأت البلاد في استعادة السيادة النقدية، وفي 30 يونيو من سنة 1959، انشئ بنك المغرب، وفي 17 أكتوبر 1959 اعتمد الدرهم وعملة وطنية، عوضت الفرنك الذي اعتمد زمن الحماية الفرنسية.
ويظهر أرشيف بنك المغرب بحسب ما يشير موقع "إيلاف المغرب" إلى أن "اختيار عملة لها مرجعية عربية وإسلامية، وأيضاً يونانية وفينيقية- أمازيغية، ترمز إلى الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان في القرن الثامن الميلادي في دمشق، كان موقفاً سيادياً وسياسياً، وإعلان انتماء المغرب إلى فضائه التاريخي العربي والإسلامي والانسلاخ عن قيود وثيقة الجزيرة الخضراء، وانضمامه إلى الجامعة العربية".
وفي خريف سنة 1959 تم فك الارتباط بين الفرنك والدرهم، تبعه خفض قيمة الفرنك الفرنسي بنسبة تزيد على 20 في المئة في مقابل صرف العملة المغربية الجديدة، بإيعاز من صندوق النقد والبنك الدولي ومؤسسة "بروتن وودز" التي انضم إليها المغرب في تلك السنة.
لكن وبالرغم من اعتماد الدرهم عملة وطنية إلا أن المصارف الفرنسية بقيت متحكّمة بالنظام المصرفي المغربي، وبجزء كبير من النشاط الاقتصادي. وفكرت الحكومة المغربية في إنشاء مصارف مغربية تابعة للدولة، بتمويل من القطاع العام.
وفي بداية الستينات، تأسست مؤسسات مالية وطنية، منها "البنك المغربي للتجارة الخارجية" و "البنك الشعبي" و "صندوق الإيداع والتدبير" و "البنك الوطني للتنمية الاقتصادية" و "القرض الفلاحي" و "القرض العقاري والسياحي" وغيرها.
وفي شهر أبريل من سنة 1967 أمر الملك الراحل الحسن الثاني بإخضاع المصارف العاملة في المغرب، سواء كانت مغربية أو أجنبية لسلطة بنك المغرب، الذي أصبح يمارس دور الرقابة والوصاية على النشاط المالي والنقدي، ومنح القروض للأفراد والشركات.
وفي سنة 1974 أصدر بنك المغرب "السنتيم" ليحلّ محلّ الفرنك، كجزء من العملة المغربية الوطنية "الدرهم".
إنشاء دار السكة
وفي 5 مارس من سنة 1987 دشن الملك الراحل الحسن الثاني مقر دار السكة، التي تكفلت بمهمة طباعة الأوراق البنكية وسك القطع النقدية. كما أسندت لها مهمة صنع جواز السفر المغربي وعدد من الوثائق المؤمنة.
وبعد سنوات من تدشينها، باتت دار السكة تتولى طباعة الأوراق البنكية لعدد من مصارف البلدان الأجنبية.
في سنة 2008، أعطى بنك المغرب الانطلاقة لمشروع ضخم يهم تحديث تجهيزات الإنتاج المستعملة في دار السكة.
وفي سنة 2009، تم إنتاج أول جواز سفر بيومتري داخل مركز أُعِدَّ خصيصا من أجل صناعة وتشخيص هذا الجيل الجديد من جوازات السفر.