القائمة

أخبار

من خطة التسوية إلى الحكم الذاتي.. رحلة نزاع الصحراء في أروقة مجلس الأمن الدولي

شكلت قضية الصحراء واحدة من أطول النزاعات الإقليمية. انطلق المسار الأممي في بدايته من مبدأ "تقرير المصير" عبر استفتاء مباشر، وبعد تسع سنوات بدأ المجتمع الدولي في الاعتراف باستحالة إجراء استفتاء، مما فتح الباب لمرحلة جديدة من المقترحات البديلة، بدءاً بـ "الاتفاق الإطار" ومروراً بمقترح التقسيم، وصولاً إلى مبادرة "الحكم الذاتي" التي قدمها المغرب عام 2007. شكّلت هذه المبادرة منعطفاً حاسماً، حيث تبنىها مجلس الأمن تدريجياً كأساس للتفاوض، ليصدر أخيراً قراره التاريخي في أكتوبر 2025 الذي يكرس الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كإطار وحيد للمفاوضات المستقبلية.

نشر مدة القراءة: 7'
DR

في 29 أبريل من سنة 1991، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار رقم 690، تم بموجبه إنشاء بعثة الأمم المتحدة للإستفتاء في الصحراء الغربية، تماشيا مع مقترحات خطة التسوية التي وافق عليها المغرب وجبهة البوليساريو سنة 1988.

خطة التسوية: أساس للتفاوض ومصدر للخلاف

وتجهز خطة التسوية، التي قدمها الأمين العام الأممي ورئيس مؤتمر رؤساء دول وحكومات منظمة الوحدة الإفريقية، لفترة إنتقالية حيث يستفتى سكان الصحراء الغربية على الاستقلال أو الاندماج مع المملكة المغربية.

لكن هذا الإطار الذي بدا واضحا نظريا، حمل في طياته بذور الأزمة، حيث لم تحدد المعايير التفصيلية لتحديد هوية الناخبين بشكل قاطع، مما فتح الباب أمام تفسيرات متضاربة.

وفي 2 مارس من سنة 1993 أصدر المجلس القرار 809، عبر فيه عن "القلق للمصاعب والتأخيرات التي اعترضت تنفيذ خطة التسوية المتعلقة بالصحراء الغربية ولا سيما الخلافات المستمرة بين الطرفين بشأن تفسير وتطبيق معايير أهلية الناخبين"، وطالب بتنفيذ الخطة "بدون أي إبطاء بغية التوصل إلى حل دائم وعادل".

كان هذا القرار أول إعلان رسمي عن تعثر الخطة، مؤكدا أن جوهر الخلاف لم يكن حول مبدأ تقرير المصير، بل حول "من له الحق في التصويت؟"، وهو سؤال سياسي وقانوني شائك.

وتصاعدت وتيرة القلق الدولي مع إصدار مجلس الأمن خمس قرارات في سنة 1995 تتعلق بالصحراء الغربية، وأجمع فيها على التأخير في تنفيذ خطة التسوية، وأكد التزامه بإجراء "استفتاء حر ونزيه ومحايد لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية وفقا لخطة التسوية. وهدد في القرار 1017 الصادر في 22 شتنبر من نفس السنة، بإمكانية انسحاب بعثة المينورسو، نظرا لعدم إحراز تقدم.

وفي سنة 1996 أصدر المجلس ثلاثة قرارات بخصوص قضية الصحراء، لم تحمل كلها أي جديد، وعبر في القرار رقم 1042، عن قلقه من "حالة الجمود التي باتت تعوق عملية تحديد الهوية وما ترتب على ذلك من عدم إحراز تقدم نحو إنجاز خطة التسوية".

وأكد القرار 1056 لسنة 1996، أنه "رغم جميع الصعوبات" تمكنت البعثة الأممية من تحديد هوية 60 ألف شخص"، مشيرا إلى أنه قرر "تعليق لجنة تحديد الهوية مؤقتا".

وفي السنة الموالية اتخذ المجلس ست قرارات بخصوص قضية الصحراء، طالب فيها المغرب والبوليساريو بالالتزام بإجراء استفنتاء حر ونزيه ومحايد على تقرير شعب الصحراء الغربية لمصيره. وفي سنة 1998 أصدر سبع قرارات، رحب فيها باستئناف عملية تحديد الهوية، وبدء عملية الطعون.

مجلس الأمن يتخلى عن خطة التسوية

وبعد مرور تسع سنوات على إنشاء بعثة المينورسو، لم يتم تنظيم الاستفتاء، علما أن خطة التسوية كانت تنص على أن يتم في يناير 1992. آنذاك بدأ الأمين العام الأممي يلمح لاستحالة إجراء استفاتاء لتقرير المصير، وجاء في تقريره المقدم لمجلس الأمن الدولي في 17 فبراير 2000 "أعتزم أن أطلب من مبعوثي الخاص جيمس أ. بيكر الثالث، أن يتشاور مع الطرفين وأن يقوم، أخذا في الحسبان العقبات القائمة والمحتملة، باستشاف سبل ووسائل التوصل إلى حل سريع ودائم ومتفق عليه للنزاع القائم بينهما". كانت هذه اللحظة مفصلية، حيث انتقلت الأمم المتحدة من منطق "تطبيق الخطة" إلى منطق "البحث عن حل بديل.

وفي تقريره المقدم إلى المجلس في 22 ماي من سنة 2000 إلى المجلس قال إن "آفاق تنظيم الاستفتاء أصبحت أكثر بعدا من أي وقت مضى".

ولم تختلف قرارات مجلس الأمن عن الخلاصات التي جاء بها الأمين العام الأممي، إذ أكد القرار 1292 الصادر في 29 فبراير 2000، على استكشاف "السبل والوسائل الكفيلة بإيجاد حل للنزاع سريع ودائم ومتفق عليها".

وأمام حالة الجمود أيقن المنتظم الدولي أن تطبيق خطة التسوية صار غير ممكن بسبب عدم الاتفاق على من يحق لهم التصويت بين المغرب وجبهة البوليساريو، وطلبت فرنسا والولايات المتحدة من الأمين العام اقتراح حل جديد يستبعد خطة التسوية، وفي يونيو 2000، تبنى مجلس الأمن الدولي، المقترح الذي قدمه المبعوث الأممي للنزاع آنذاك جيمس بيكر، المتمثل في "الاتفاق الإطار"، والذي نص على ممارسة السلطة في الإقليم المتنازع عليه، من قبل سكان الصحراء عن طريق هيئات تنفيذية وتشريعية وقضائية، على أن يحتفظ المغرب بالسلطة الكلية على العلاقات الخارجية، وبعد مرور خمس سنوات يطرح وضع الصحراء على استفتاء للناخبين المؤهلين في تاريخ يتفق عليه الطرفان. ولكي يكون الناخب مؤهلا للتصويت في هذا الاستفتاء، يجب أن يكون قد أقام بصورة دائمة في الصحراء طيلة السنة التي تسبق الاستفتاء.

الاتفاق الاطار أساس جديد للتفاوض

وتخلى مجلس الأمن بعد ذلك في قرارته عن خطة التسوية إذ جاء في قراره رقم 1359، لـ 29 يونيو 2001، "يشجع الطرفين على مناقشة مشروع الاتفاق الإطاري والتفاوض بشأن تغييرات محددة قد يودان إدخالها على هذا المقترح"، وفي قراره رقم 1429 لـ30 يوليوز  2002 أكد على "الحاجة الماسة للبحث عن حل سياسي، بالنظر إلى عدم إحراز تقدم في تسوية النزاع المتعلق بالصحراء الغربية".

وبعدما وجدت الجزائر نفسها تغرد وحيدة، برفضها للاتفاق الاطار، وتشبثها بخطة التسوية التي وصلت إلى طريق مسدود، قدمت اقتراحا غير مسبوق، يقضي باقتسام الإقليم بين المغرب وجبهة البوليساريو، وذلك عن طريق  إعطاء المغرب إقليم الساقية الحمراء (ثلثا الصحراء) وإعطاء البوليساريو إقليم وادي الذهب (الثلث الباقي) حيث تقيم دولتها المستقلة.

لكن المغرب سارع إلى التعبير عن موقفه الرافض لخيار التقسيم، الذي اقترحته الجزائر بحسب ما يشير  تقرير الأمين العام عن الحالة فيما يتعلق بالصحراء لـ 22 ماي 2003.

وبقي مجلس الأمن الدولي بعد ذلك يشير إلى الاتفاق الإطار كما هو الحال في قراره الصادر يوم 31 يوليوز 2003، والذي حمل الرقم 1495.

الحكم الذاتي والتوصل إلى حل مقبول

وظل النزاع يراوح مكانه إلى حدود سنة 2007، حين قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي للصحراء، وفي قراره رقم 1754 بتاريخ 30 أبريل 2007، أكد مجلس الأمن أنه "يحيط علما بالمقترح المغربي الذي قدم إلى الأمين العام في 11 أبريل 2007، وإذ يرحب بالجهود المغربية المتسمة بالجدية والمصداقية والرامية إلى المضي قدما بالعملية صوب التسوية". آنذاك ردت جبهة البوليساريو بإرسال مقترح مضاد إلى الأمم المتحدة يقوم على خطة التسوية التي سبق للأمم المتحدة أن أعلنت استحالة تطبيقها، نفس قرار مجلس لأمن اكتفى بالإشارة إلى مقترح الجبهة بالعبارة التالية "وإذ يحيط علما بمقترح جبهة البوليساريو المقدم إلى الأمين العام" دون أن يضيف أي وصف له.

نفس العبارات كررها المجلس في قراره 1813 لسنة 2008، و القرار 1871 لسنة 2009، والقرار 1920 لسنة 2010، إلى حدود القرار 2756 الصادر يوم 31 أكتوبر 2024.

وبالإضافة إلى وصف الجهود المغربية بالجادة وذات المصداقية، كان مجلس الأمن ينص في قراراته على أنه ملتزم بمساعدة الطرفين على التوصل إلى "حـل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يكفل لشعب الصحراء الغربية تقرير مصيره".

هذا التحول في الخطاب لم يكن شكليا، بل كان انعكاسا لقناعة متنامية في الدوائر الدولية بأن الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية هو الحل الواقعي الوحيد.

وفي أبريل الماضي دعا المبعوث الأممي للصحراء الغربية ستافان دي ميستورا في كلمته أمام أعضاء مجلس الأمن المغرب إلى تعميق وتوسيع مقترحه للحكم الذاتي، وقال "يجب أن يكون الحكم الذاتي جادا. هذا يتماشى مع قناعتي وطلبي بأن يتم توضيح المبادرة المغربية للحكم الذاتي بشكل أكثر تفصيلا، وأن يتم توضيح الصلاحيات الممنوحة لكيان يتمتع بالاستقلال الحقيقي في الصحراء الغربية".

ومنذ تقديم المبارادرة، ظلت جبهة البوليساريو متمسكة برفضها، بينما كانت الدبلوماسية المغربية تنجح في إقناع العديد من الدول الفاعلة بدعمها من بينها فرنسا والمملكة المتحدة، وإسبانيا والولايات المتحدة، وألمانيا..

وأمام رفض الجبهة الانفصالية ظل المغرب يؤكد أن الحكم الذاتي هو "نقطة وصول وليست نقطة انطلاق"، في أي مفاوضات حول النزاع.

الحكم الذاتي إطارا وحيدا للتفاوض

ويوم 31 أكتوبر الماضي، اعتمد مجلس الأمن الدولي، قرارا تاريخيا ينص على أن منح الصحراء الغربية "حكما ذاتيا حقيقيا تحت السيادة المغربية قد يكون الحل الأنجع" للنزاع المستمر منذ 50 سنة، ويدعو الأطراف المعنية إلى الدخول في مفاوضات على هذا الأساس.

وصوتت لصالح القرار 11 دولة من الدول الـ15 الأعضاء بمجلس الأمن، في حين امتنعت روسيا والصين وباكستان عن التصويت، ولم تشارك الجزائر في التصويت.

ويدعو القرار جميع الأطراف إلى الانخراط في المفاوضات بناءً على خطة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب لأول مرة إلى الأمم المتحدة عام 2007.

وبعد المصادقة على القرار الأممي، وجه الملك محمد السادس خطابا للشعب المغربي وأكد أن المغرب سيقوم "بتحيين وتفصيل مبادرة الحكم الذاتي، وسيقدمها للأمم المتحدة، لتشكل الأساس الوحيد للتفاوض، باعتبارها الحل الواقعي والقابل للتطبيق".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال