القائمة

أخبار

الطريق إلى الوطن #1 : من ليبيا إلى الجزائر ثم العودة إلى المغرب… حكاية قيادي عسكري سابق في البوليساريو

نروي حكايات أشخاص اختبروا الوهم وعايشوا الحقائق، قبل أن يختاروا العودة إلى أحضان الوطن بعد رحلة قادتهم في ريعان شبابهم إلى صحراء تندوف بالجزائر. في هذه السلسلة، سنغوص في تجارب هؤلاء الأشخاص الذين آمنوا يوماً بإقامة دولة سادسة في المنطقة المغاربية، لكنهم اكتشفوا زيف تلك الوعود وقرروا أن يستعيدوا حياتهم وصلتهم بوطنهم المغرب.

نشر مدة القراءة: 4'
سيدي إبراهيم أحمد الكورري، المعروف بلقب العروصي
سيدي إبراهيم أحمد الكورري، المعروف بلقب العروصي

سيدي إبراهيم أحمد الكورري، المعروف بلقب العروصي، من مواليد عام 1965 بمدينة العيون، هو واحد من الذين عاشوا تجربة جبهة البوليساريو منذ بداياتها، قبل أن ينقلب موقفه ويقتنع بعدم جدوى أطروحتها، ويقرر العودة إلى المغرب.

البدايات… رياح الماركسية والتيارات الثورية

في حديثه لموقع يابلادي تحدث العروصي عن السياق الذي دفعه للالتحاق بالبوليساريو قائلا إن بداية السبعينيات تميزت بانتشار الفكر الماركسي وتيارات الثورة والناصرية والبعثية، وسط حماس نضالي شبابي عارم.

"كنا من دون تجربة، على عكس الشيوخ الذين رفضوا طرح الثورة، والذي ذهب ضحيته الآلاف إلى اليوم. الجهل بخلفيات الأمور، وغياب الإعلام كما هو الآن، جعلا الشباب يندفعون نحو المشروع الثوري، وعائلتي بدورها التحقت بالبوليساريو، وكان الأمر منتشرا في الصحراء".

سيدي إبراهيم أحمد الكورري

ويؤكد أن المعاناة بالنسبة له ولغيره كانت "بردًا وسلامًا"، وكان الاقتناع بالقضية حافزا كافيا لتحمل قسوة الحياة. من مدينة العيون، التحق الكورري مع عائلته بمخيمات تندوف عبر الأراضي الموريتانية في نهاية 1977، وكان عمره حينها بين 12 و14 سنة، وبمجرد وصوله التحق بمدارس تجمع بين التعليم والتدريب العسكري على الأسلحة الفردية في المخيمات، قبل أن يلتحق بصفوف "الجيش" في سن الخامسة عشرة ضمن المشاة الميكانيكية.

بين عامي 1982 و1983، أصبح الكورري مدربا في قاعدة "الشهيد حداد" بالمخيمات المخصصة للمدرعات، حيث عمل على دبابات T-57 وآليات BMP-1، قبل أن ينضم إلى الفيلق الخاص (الكوماندوز) الذي افتتح "هجمة المغرب العربي الكبيرة" في زمور النيرة يوم 13 أكتوبر 1984.

"شاركت في العديد من المعارك ضد القوات المسلحة الملكية، منها زمول النيران، معركة الحوزة، وعملية الفارسية، وأم لگطة، وأم دريكة، وتيشلا... في الحقيقة لم تكن هناك معركة لم أشارك فيها".

سيدي إبراهيم أحمد الكورري

ويؤكد أنه مع بداية بناء الجدار الرملي المغربي، عاشت البوليساريو أربع سنوات من البحث عن طريقة لاختراقه، لكن نتائجه كانت واضحة: عرقلة التوغل نحو العمق. كانت أول مواجهة بعد بناء الجدار هي عملية زمول النيران (13 أكتوبر 1984)، لكنها انتهت بفشل ذريع حيث تم أسر قائد الفيلق وطاقمه من قبل القوات المغربية، ما دفع الجبهة إلى تغيير أسلوبها في التعامل مع الجدار.

التحولات بعد 1988

عام 1988، ومع أحداث داخلية في المخيمات، بدأ الاستياء يتسلل إلى صفوف المقاتلين. استدعي الكورري من قبل وزارة الدفاع، وتوجه أولاً إلى ليبيا للتدريب، ثم إلى الجزائر للتكوين كقائد وحدة على يد ضباط جزائريين وآخرين من الاتحاد السوفياتي.

كانت تربطه صداقة بوزير الدفاع محمد الأمين البوهالي، الذي وعده بتعيينه في أي موقع يختاره بعد انتهاء التكوين. وقال "لم يعد إيماني بالمشروع بعد أحداث 1988 كما كان، وطلبت رخصة للتوجه إلى موريتانيا لزيارة أختي، ثم العودة إلى الجزائر لاستكمال التدريب"، وواصل "التقيت حاجزا عسكريا للبوليساريو، وطلبوا مني التوقف في مكان قريب من الحدود الموريتانية، على أن يأتي أهلي لزيارتي، لأن الذين يذهبون إلى موريتانيا لا يعودون إلى المخيمات. ولم أتقبل هذا الأمر خصوصا أنني عسكري رفيع المستوى، وفي اليوم الموالي، قررت التوجه إلى مورتانيا بشكل نهائي، لأنني أحسست بأن الثقة أصبحت منعدمة".

وفي نهاية سنة 1990، وصل إلى نواذيبو، وهناك رفض كل العروض التي قدمتها له قيادة البوليساريو للعودة، رغم إرسال وزير الدفاع شخصيًا مبعوثين مع امتيازات، مؤكداً: "القضية قضية قناعات… التحقت بالبوليساريو دون إملاءات، واقتنعت بعد ذلك بأن المشروع فشل".

ويوم 18 مارس 1991، الذي صادف أول أيام رمضان في المغرب، حط الرحال بمطار محمد الخامس الدولي، ليبدأ مسارا جديدا في حياته.

ويرى العروصي أن ما غير موازين القوى في نزاع  الصحراء اليوم، "ليس التفوق في التقنية والسلاح أو الجدار الرملي فقط، بل فقدان القناعة بالمشروع"، مضيفًا: "الثروة والثورة لا يجتمعان… المخيمات أصبحت مرتعًا للتجارة وجمع المال بكل الطرق سواء كانت قانونية أم لا، ولم يعد أحد مستعدًا للتضحية، كما أن الجبهة فقدت استقلالية قرارها وأصبحت رهينة للجزائر".

وبعد مرور سنوات طويلة، حاولت البوليساريو بعد أحداث الكركرات في نونبر 2020، حاولت البوليساريو مجددا إغراءه للعودة إلى المخيمات، وقال "كنت في نواذيبو وزارني مبعوث من البوليساريو حاملاً بذلة عسكرية لازلت أحتفظ بها، وعرض علي العودة مقابل أي امتياز أطلبه، لكني رفضت، أنا الآن مواطن مغربي وعائلتي في المغرب". وختم بالقول: "لو فتح المغرب الباب للعودة، لما بقي أحد في المخيمات، فأنا أتلقى اتصالات يومية من أشخاص تعبوا ويريدون الرجوع".

كن أول من يضيف تعليق على هذا المقال