بعد سنتين من نيل المغرب استقلاله، وبالضبط يوم 25 فبراير 1958، توجه الملك الراحل محمد الخامس إلى منطقة محاميد الغزلان، التابعة الآن إداريا لإقليم زاكورة، وألقى بها خطابا عبر فيه عن تشبث المغرب بالصحراء، كما اعتبر في الخطاب ذاته بلاد شنقيط (موريتانيا الحالية) التي كانت تحتلها فرنسا أرضا مغربية.
وتم استقباله آنذاك من قبل وجهاء وشيوخ وممثلي القبائل الصحراوية لتجديد البيعة والولاء، وقال في خطابه:
"إن ما يسعدنا، أن تستقبلنا في قرية محاميد الغزلان التي هي باب الصحراء من قبائل شنقيط، وأن نسمع إليهم ومعهم فقهاؤهم وأبناؤهم وهم يؤكدون لنا كما أكد آباؤهم لجدنا تعلقهم بالعرش العلوي، واستمساكهم بعروة المغرب التي لا انفصام عنها، وإننا نحيي نفوسهم الأبية وعزائمها القوية ونرحب بهم في وطنهم وبين أهلهم ونؤكد لهم بدورنا وليبلغ الشاهد الغائب".
وواصل قائلا "سنواصل العمل بكل ما في وسعنا لاسترجاع صحرائنا، وكل ما هو ثابت لمملكتنا بحكم التاريخ ورغبات السكان، وهكذا نحافظ على الأمانة التي أخذنا أنفسنا بتأديتها كاملة غير ناقصة".
وفي 28 مارس من سنة 1958 استقبل محمد الخامس وفدا من الشخصيات الموريتانية الموالية للمغرب، تتكون من محمد ولد باه والداي، ولد سيدي بابا والشيخ احمدو ومحمد ولد عمير، وهو ما أثار في حينه حفيظة السلطات الفرنسية، التي احتجت رسميا لدى السفارة المغربية في باريس.
ولم تكن المطالبة بضم بلاد شنقيط للتراب المغربي مقتصرة على الملك محمد الخامس، فبعد عودة العائلة الملكية من المنفى، نشر حزب الاستقلال الذي كان يملك آنذاك نفوذا وتأثيرا كبيرا في البلاد، كتابا أطلق عليه اسم "الكتاب الأبيض" تحدث فيه عن تصوره لحدود المملكة المغربية، وضمت الخريطة جزء كبيرا من الغرب الجزائري وموريتانيا.
وقبل خطاب محاميد الغزلان وبالضبط سنة 1956، قال علال الفاسي زعيم حزب الاستقلال في تجمع حاشد "نطالب بكل أجزاء الإمبراطورية العلوية التي لم تتحرر بعد والتي تبدأ من طنجة شمالا مرورا بالصحراء الغربية وصولا إلى الصحراء والحدود الجزائرية، بشار الاغواط ، ادرار مرورا باطار في موريتانيا وصولا إلى السينغال، وإذا لم تتحرر هذه المناطق فإن من واجبنا أن نقوم بفعل لنحرر وطننا ونوحده".
وفي 27 من شهر مارس من نفس السنة قال "مادام النظام الدولي قائما في منطقة طنجة والصحاري الأسبانية، من جنوب تندوف إلى اطار، وإذا لم تزح الوصاية عن الأقاصي الجزائرية المغربية يبقى استقلالنا مبتورا، وواجبنا الأول هو متابعة العمل من أجل تحرير البلاد وتوحيدها".
وأثناء استعداد فرنسا لمنح الاستقلال لموريتانيا، قام الملك محمد الخامس بحسب ما أوردت مجلة زمان، بجولة في بعض الدول العربية، تمكن من خلالها بإقناع مجموعة من الدول بأحقية المغرب في بلاد شنقيط، وفي 20 غشت وجه المغرب طلبا إلى الأمم المتحدة من أجل إدراج القضية الموريتانية على جدول لأعمال، باعتبارها قضية تمس التراب الوطني.
استقلال موريتانيا
وفي 28 نونبر 1960، سارت الأمور عكس ما يشتهيه المغرب، وأعلن المختار ولد داداه استقلال موريتانيا عن الحماية الفرنسية، وفي 27 أكتوبر 1961، تم الاعتراف بموريتانيا عضوا في الأمم المتحدة، وأصبح الموقف المغربي ضعيفا.
ولم يعترف المغرب رغم ذلك بالدولة الموريتانية، إلا أنه في سنة 1967، بدأ تطبيع العلاقات بينهما، اذ استقبل المختار ولد داداه بحسب ما يحكي في مذكراته الطيب بنهيمة وزير الخارجية المغربي بناء على طلب منه، وخاطبه قائلا:
"جئت مبعوثا من صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني لأؤكد لكم عزمه على استدعائكم لحضور القمة الإسلامية بالرباط. ويتمنى جلالته من صميم قلبه أن تقبلوا الحضور ما سيسمح لكما بإنهاء الخلاف العارض القائم بين بلدينا الشقيقين". وكان جوابي أنني إذا تلقيت من الملك دعوة مماثلة لتلك التي سيوجها إلى رؤساء الدول المدعوة لحضور المؤتمر فأسرد عليها بالإيجاب وبكل سرور".
وفي السنة ذاتها عين الحسن الثاني قاسم الزهيري سفيرا للمغرب في نواكشوط، فيما تم تعيين أحمد ولد جدو سفيرا لموريتانيا في الرباط.
ويذكر أنه في السنة التي ألقى فيها محمد الخامس خطابه في محاميد الغزلان، استرجعت المملكة مدينة طرفاية، فيما استرجعت مدينة سيدي ايفني سنة 1969، وأعلن الملك الحسن الثاني يوم 14 أكتوبر 1975 عن تنظيم مسيرة شعبية سلمية لاسترجاع الصحراء، من المستعمر الإسباني، وهو ما أسفر عن توقيع اتفاق مدريد يوم 14نونبر 1975، وتم منح موريتانيا بموجبه منطقة وادي الذهب فيما كان من نصيب المغرب منطقة الساقية الحمراء ومقابل ذلك احتفظت إسبانيا باستغلال الفوسفات من مناجم بوكراع كما احتفظت بقواعد عسكرية قبالة جزر الكناري.
وفي الخامس من شهر غشت من سنة 1979، ووقعت موريتانيا اتفاق سلام مع البوليساريو، ليتم الإعلان رسميا عن انسحاب موريتانيا من اتفاقية مدريد، وأمر صناع القرار الجدد في نواكشوط بعد هذا الاتفاق قواتهم العسكرية بالانسحاب من إقليم وادي الذهب وتركه لميليشيات البوليساريو، لكن الجيش المغربي سارع إلى الانتشار في المنطقة.
ولا زال المغرب يخلد لحد الآن ذكرى خطاب محاميد الغزلان، باعتباره خطابا تاريخيا يتحدث عن أحقية المملكة في الصحراء، لكن صناع القرار في البلاد يتجنبون الحديث عن مطالبة الملك الراحل بضم بلاد شنقيط، تجنبا لخلق مشاكل دبلوماسية مع نواكشوط.
وفي 11 ابريل 1981، زار الملك الحسن الثاني محاميد الغزلان، وقال في خطاب ألقاه هناك "إن الذاكرة ترجع بنا إلى الوراء، ترجع بنا إلى سنة 1958 حينما زاركم والدنا المنعم محمد الخامس، وإننا لنذكر تلك الزيارة باعتزاز وتأثر، نذكرها باعتزاز، لأن من هنا انطلق صوته رحمة الله عليه مطالبا باسترجاع الأراضي المغربية حتى تتم الوحدة الوطنية، ونذكرها بتأثر لأنها لم تكن صيحة في واد بل كانت نداء وجد أعظم صدى، وكان درسا في السياسة والصبر والمصابرة ها نحن اليوم نجني ثماره".
كما ذكر الملك محمد السادس في خطاب المسيرة الخضراء في 6 نونبر من سنة 2017، بخطاب جده محمد الخامس في محاميد الغزلان، وقال "إن خطاب محاميد الغزلان شكل محطة بارزة في مسار استكمال الوحدة الترابية، وأكد حقيقة واحدة، لا يمكن لأي أحد إنكارها، هي مغربية الصحراء، وتشبث الشعب المغربي بأرضه، حيث أنه مباشرة بعد استقلال المغرب، وقبل تسجيل قضية الصحراء بالأمم المتحدة سنة 1963، وفي الوقت الذي لم تكن فيه أي مطالب بخصوص تحرير الصحراء، باستثناء المطالب المشروعة للمغرب، بل وقبل أن تحصل الجزائر على استقلالها، أكد محمد الخامس، آنذاك، الحقوق التاريخية والشرعية للمغرب في صحرائه، حين قال أمام ممثلي وشيوخ القبائل الصحراوية، الذين قدموا له البيعة:” نعلن رسميا وعلانية، بأننا سنواصل العمل من أجل استرجاع صحرائنا، في إطار احترام حقوقنا التاريخية، وطبقا لإرادة سكانها".